السؤال
نشأت في مشاكل كثيرة بين الأهل، ترتب عليها قطع الأرحام، حتى قبل مولدي بسنين، فمنهم من لا يريد أن يعرفنا بسبب مستوانا الاجتماعي، ومنهم من أهان والدي في السابق، ومنهم من لا يزورنا ولا نزوره. والآن لا أعرف أين هم؟ ولو عرفت أماكنهم أخاف أن أرى ما رأى والدي من إهانة، وفي نفس الوقت أخاف الله تعالى.
أفيدوني أثابكم الله.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الذي يخاف الله تعالى، يصل رحمه، ولا يقطعها؛ لأن قطيعة الرحم من الكبائر. وما ذكره السائل من عوائق، تحول دون هذه الصلة، ليست عذرا مبيحا للقطيعة وترك الصلة الواجبة، لإطلاق أدلة وجوب الصلة، وحرمة القطيعة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع. متفق عليه.
هذا على نحو الإجمال.
وأما على نحو التفصيل: فقد ذكر السائل عدة عوائق، حالت دون صلته لأرحامه، ليس شيء منها عذرا يبيح القطيعة.
أولها: المشاكل الأسرية القديمة، وهذه ليست بعذر في ترك الصلة الواجبة، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى.
وثانيها: إعراض الأرحام بسبب المستوى الاجتماعي للسائل، وأهله، وهذا ليس بعذر أيضا؛ لأن إعراضهم تكبرا، لا يبيح مقابلتهم بالمثل، وقد قال الله تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}. وقال عمر بن الخطاب: ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه. رواه الخطيب في المتفق، والمفترق.
وثالثها: إهانة بعضهم للوالد، فهو كذلك ليس بعذر، فإن صلتهم الواجبة ليس فيها إقرار على ظلمهم، بل أداء لحق مطلوب شرعا، وهو حق الرحم.
ورابعها: عدم زيارتهم لكم، فليس بعذر أيضا؛ فإن الصحيح أن الصلة ليست بمقابلة الزيارة بالزيارة، بل بصلة القاطع؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.
وخامسها: مخافة الإهانة، كما وقع لأبيك من قبل، وهي كذلك ليست عذرا، فإن الواجب المتيقن، لا يدفعه الظن المتوهم، ولو تحقق السائل من وقوع الإهانة، فإنها لا تسقط أصل الصلة الواجبة أيضا، وإنما أمره دائر بين الترخص بترك أبواب الصلة المفضية للإهانة، وبين العزيمة بصلتهم، والصبر على أذاهم، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 264070.
وأخيرا، فالواجب على المسلم السعي في رفع العوائق التي تحول دون صلة الأرحام الواجبة، فإن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، فمن ذلك إصلاح ذات البين، وحل المشاكل العالقة بين الأهل، وقد قال تعالى: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين {الأنفال:1}. ومن ذلك التعرف على أماكنهم، فيجب السؤال عن عناوينهم، ومعرفتها لتتمكن من القيام بالصلة الواجبة، وقياسا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفة الأنساب التي تتوقف الصلة على معرفتها؛ ففي مسند أحمد من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في أهله، مثراة في ماله، منسأة في أثره. حسنه الألباني، والأرنؤوط.
والله أعلم.