السؤال
والدي توفي قبل أقل من شهر -أسأل الله له الرحمة-، وعند وفاته كان مبتسما حتى أن أسنانه واضحة وكأنه ضاحك ووجهه منتش بالسعادة، وعند غسله كان جسده لينا، فهل هذا يدل على أنه لا يعذب بالقبر وأن الملائكة بشروه بالجنة؟
وكان مرضه بالكبد، بها فيروس ولا تعمل تقريبا، والكلى أيضا متوقفة، وبدأ بعمل غسيل لها، والرئة بها ماء به نوعان من الفيروسات، ولا يستطيع التنفس إلا بجهاز، وبطنه ممتلئة بالماء ومنتفخة وجميع جسده منتفخ بالماء الذي به فيروس، فهل ينطبق عليه حديث الرسول: من قتله بطنه فهو شهيد؟ وهو كان يشرب الخمر، ويقطع بصلاته، ولكنه قبل وفاته بيومين أعلن توبته أمامنا، وهو دائما يسامح الكل، ويقول محللين وما هو بين جميع الناس، مع أنه تعرض للظلم من كثير من الأقارب، ولكنه لا يحقد، وينسى الأذى، ويسامح دائما، حتى "حسبي الله" لا يقولها خوفا من أن يستجيب الله وينتقم له، فهل المسامحة تنجيه من عذاب القبر؟ وهل الذي يبشر بالجنة لا يعذب بالقبر أم يعذب؟
وهل الاستغفار له أفضل أم قولي "رب أعذه من عذاب القبر"؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ترك الصلاة، وشرب الخمر من الكبائر، ولكن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فنرجو الله أن يكون قد قبل توبة والدك، وأن يغفر ذنوبه، وانظر الفتوى رقم: 109083.
ونرجو له أن يأخذ أجر المبطون، وانظر الفتوى رقم: 145521، والفتوى رقم: 93850.
وكونه كان يسامح، ويعفو، يرجى معه أن يعفو الله عنه ويسامحه، وانظر الفتوى: 110805.
والتبسم بعد الموت قد يكون أمارة على حسن الخاتمة، وإن كنا لا نجزم بذلك، فلا يلزم أن يكون بشر بالجنة، وانظر الفتوى رقم: 29018.
وننصحك أن تجمع بين الاستغفار والدعاء له عموما؛ فكلاهما يصل أثره إلى الميت -إن شاء الله- وانظر الفتوى رقم: 157989.
ولا نعرف نصا في التفضيل بين الاستغفار والدعاء بالإعاذة من عذاب القبر، وكلاهما وارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ جاء في سنن أبي داود عن عثمان -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل. حسنه النووي، والسيوطي. وصححه الألباني.
والدعاء بوقاية فتنة القبر ثابت، وانظر الفتوى رقم: 76333.
ومن بشر بالجنة فإنه لا يعذب؛ قال تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم [فصلت: 30 - 32].
فقد سلموا من الخوف في المستقبل؛ قال ابن الجوزي في زاد المسير: ... في معنى ألا تخافوا قولان: أحدهما: لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم، قاله مجاهد. والثاني: لا تخافوا ما أمامكم، ولا تحزنوا على ما خلفكم، قاله عكرمة، والسدي. والقول الثاني: تتنزل عليهم إذا قاموا من القبور، قاله قتادة فيكون معنى ألا تخافوا: أنهم يبشرونهم بزوال الخوف والحزن يوم القيامة. انتهى.
والله أعلم.