السؤال
والدي توفي منذ تسعة أشهر، وكان رجلا يشهد له بالصلاح، محافظا على الصلوات في المسجد، من قوام الليل، يغيث الملهوف، عند موته شهد له بالخير، والصلاح كل من عرفه من جيران، وأصدقاء، وأقرباء، المشكلة أن جدتي -والدة أبي- امرأة سيئة الخلق، ذات لسان لاذع، كثيرة الدعاء بالشر، تختلق القصص الوهمية، ولحظة وفاة أبي تأثرت وقامت بالدعاء له بالتثبيت عند السؤال، ورضيت عنه، وقالت: "أسقطت حقي، ومستحقي عنك يا ولدي" ودعت له بالخير، لكن المشكلة أنها لم تستطع أن تبقى صالحة للوقت الطويل، فبعد مرور عدة أسابيع رجعت تدعو عليه، وتغضب عليه، وتهددنا إذا لم نقم بالاستجابة لكل طلباتها أنها سوف تغضب على أبي في قبره، وتقول: "حتى لو توفي غضبي عليه لا يدخله الجنة" بالإضافة إلى أنها تدعي أنه أخذ منها مبلغا من المال، ولم يرده لها، ولن تسامحه، وسوف تقتص منه يوم الدين، علما أن عمي المسؤول عن كل أموال جدتي يقول: إن أبي لم يأخذ شيئا من مال جدتي، ويقول: "أنا أملك كل أموال أمي، ولم يأخذ أبوكم شيئا من مالها".سؤالي -يا شيخ-: هل يتأذى أبي من ذلك؟ وهل فعلا غضبها لا يدخله الجنة حتى بعد موته؟ علما أنا -نحن أبناءه- حريصون كل الحرص على الدعاء الدائم له، والصدقة؛ لأنه كان أبا حنونا، وكريما، أكرمنا، وأحسن تربيتنا، أرجو الإفادة -يا شيخ- لأن الموضوع أتعبنا كثيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي البداية نسأل الله تعالى الرحمة، والمغفرة لوالدكم, وأن يجعله من أهل الجنة.
ثم إذا كان والدك على الحالة التي ذكرت من الاستقامة, وثناء الناس عليه بعد موته, فهذا دليل على حسن خاتمته؛ ففي الصحيحين -واللفظ للبخاري- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه كان يقول: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: وجبت. فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار؛ أنتم شهداء الله في الأرض.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس، أو معظمهم الثناء عليه، كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه، فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة؛ فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه، استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وجبت وأنتم شهداء الله) ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له فائدة. انتهى.
أما ما تسمعونه من جدتكم: فإنه لا يتأثر به والدكم, ولا يترتب عليه أي ضرر، خصوصا إذا كانت جدتكم على الحالة التي ذكرتها, وننصحكم بالإعراض عما تقوله هذه الجدة, وأن تهتموا بما ينفع أباكم بعد موته من الدعاء, والصدقة عنه.
والله أعلم.