السؤال
وجدت في بعض الروايات أخبارا ومنامات أن هناك من قال إنه استغرق حسابه سنوات في قبره، ولم يسترح إلا بعدها!! ورواية من رأى عمر بن الخطاب يقول: كاد عرشي أن يهوي لولا أني وجدت ربي غفورا رحيما ـ ولا يؤخذ الدين من المنامات، فما صحة قصة عمر هذه؟ وهل يحاسب الإنسان في القبر؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأثر عمر له طرق وألفاظ عدة، منها ما رواه أحمد في فضائل الصحابة، والضياء المقدسي في المنتقى من مسموعات مرو، وأبو نعيم في حلية الأولياء: من طريق محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن العباس قال: نعم الرجل عمر كان لي جارا فكان ليله قيام، ونهاره صيام وفي حوائج الناس، قال: فسألت ربي أن يرينيه في المنام فأرانيه رأس الحول وهو جاء من السوق مستحييا! فقلت: ما صنع بك أو ما لقيت؟ قال: فقال: كاد عرشي أن يهوي لولا أن لقيت ربا رحيما.
وله طرق أخرى مرسلة عن العباس، وطرق أخرى عن ابنه عبد الله، وعن ابن عمر، وعن ابنه سالم، رواها ابن شبة تاريخ المدينة، وابن سعد في الطبقات، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخه، وأوردها ابن الجوزي في مناقب عمر، وابن المبرد في: محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ وأعلها محققه بالانقطاع، وقال الدكتور عبد السلام آل عيسى في بحثه: دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية: السند ضعيف وكذلك متنه. اهـ.
وأما معناه: فقال ابن قتيبة في غريب الحديث: هذا مثل يضرب للرجل إذا ذل وهلك... وللعرش هاهنا معنيان: أحدهما: السرير، والأصل فيه أن الأسرة كانت للملوك، فإذا ثل عرش الملك فقد ذهب عزه أو هلك، والمعنى الآخر: البيت ينصب من العيدان ويظلل وجمعها: عروش، وإذا كسر عرش الرجل فقد هلك أو ذل، وهو نحو قولهم خرب بيت فلان. اهـ.
وأما الحساب في القبر: فيدل على أصله ما ذكره السيوطي في رسالته: طلوع الثريا بإظهار ما كان خفيا ـ في مسألة: فتنة الموتى في قبورهم سبعة أيام، حيث قال: أخرج الحكيم الترمذي بسنده عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنهما ـ قال: في القبر حساب، وفي الآخرة حساب، فمن حوسب في القبر نجا، ومن حوسب في القيامة عذب، وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن مجالد، عن محمد بن المنتشر، عن ابن حراش، عن حذيفة بن اليمان قال: إن في القبر حسابا، ويوم القيامة عذابا، قال الحكيم الترمذي: إنما يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه غدا في الموقف، فيمحص في البرزخ، ليخرج من القبر وقد اقتص منه. انتهى.
وهذا وإن كان صورته صورة الموقوف على حذيفة، فإن حكمه حكم المرفوع كما تقدم تقريره، وشاهده ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له، يرى المسلم عمله في قبره.
وأخرج البزار، والحاكم وصححه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا البول، فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر.
وأخرج البيهقي في كتاب عذاب القبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عذاب القبر من ثلاثة: من الغيبة، والنميمة، والبول، فإياكم وذلك. وله شواهد كثيرة.
قال ابن رجب: قد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة والغيبة بعذاب القبر، وهو أن القبر أول منازل الآخرة وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله، وحق لعباده، وأول ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة، ومن حقوق العباد الدماء، وأما البرزخ: فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء النميمة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما. انتهى.
قال ابن رجب: وروى ابن عجلان عن عون بن عبد الله قال: يقال إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه، فإن جازت له صلاته نظر فيما سوى ذلك من عمله، وإن لم يجز له، لم ينظر في شيء من عمله بعد. اهـ.
والله أعلم.