حكم التوبة مع الذنب مع الإصرار على غيره

0 193

السؤال

السؤال: جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: قال في رجل قال: لو ضربت ما زنيت، ولكن لا أترك النظر، فقال أحمد رضي الله عنه: ما ينفعه ذلك، فسلبه الانتفاع بترك الزنا، مع إصراره على مقدماته، وهو النظر.
وجاء في ذم الهوى لابن الجوزي: عن أبي بكر المروزي، قال: قلت لأبي عبد الله، أحمد بن حنبل: رجل تاب، وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله، إلا أنه لا يدع النظر، فقال: أي توبة هذه. فهل وافق أحمد المعتزلة، في أن التوبة لا تصح من ذنب، مع الإصرار على غيره؟
فبعد الزنا والتوبة، حصل الزواج، وأحمد يشترط التوبة، فهل يعني حسب قوله أعلاه، أن النكاح غير صحيح؟ أم إن التوبة لم تقبل، وإثمها باق، وارتفعت عن الشخص صفة الزاني، ويصح نكاحه في كل الأحوال؟
فقد سمعت بقولين لأحمد أحدهما، أن التوبة لا تصح مع الإصرار على ذنب آخر، والآخر أنها تصح.
فما هو أصل مذهبه؟ أليس تأويل قوله، قد يقال إنه لا يرى توبته نافعة؛ لأنه "إن استمر بالنظر قد يعود للزنا"؟
حصلت توبة من الزنا ومقدماته، لكن هناك أمور مختلف فيها لا أستطيع التوبة منها؛ لأني غير مقتنعة بأنها حرام، وهي مسائل خلافية مثل قولهم بوجوب الوضوء لكل صلاة، عن عكرمة، وابن سيرين! فهذا معارض للنبي صلى الله عليه وسلم، وقول أحمد في أحد قوليه إن وجه وكف المرأة عورة، حتى في الصلاة، هو أيضا ضعيف! وغيرها من أمور.
الحيرة تقتلني.
أرجو بيانا شافيا للمسألة. فهل مذهب أحمد لو أن شخصا زنا، يجب عليه أن يتوب من كل شيء كي يصح نكاحه، أم توبته لا تصح عند الله، لكن زواجه يصح بكل حال إن تاب من الزنا دون غيره. هل كلا القولين لأحمد؟ وكذلك أحمد له 3 أقوال في الغناء دون معازف، ومنها التحريم.
فهل إن اتبعت قوله بالتحليل، أو الكراهة لا يصح نكاحي؛ لكون توبة الزنا لم تصح، لإصراري على الغناء الخالي من معازف مثلا، المحرم بأحد أقوال أحمد؟
وهل علي أن آخذ بفتوى كل عالم بها يحرم أمرا ما، وأن أبتعد عن ذلك المحرم حتى يصح زواجي بالاتفاق؟؟!! مع أن بعضهم له رأي شاذ كالآراء أعلاها، ومثلا هناك شيخ حرم على المرأة لمس الخيار، والجزر بحجة أنه يشبه عضو الرجل!
فهل إن استبحت لمس الخيار لا تصح توبتي، لإصراري عليه!؟ لكن أم المؤمنين أكلت القثاء، وهو شبيه بالخيار، وشبيه بالعضو الذكري. فهذه فتوى شاذة، منكرة، صاحبها أخطأ، وحرم ما أحل الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجمهور العلماء على صحة التوبة من الذنب، مع الإصرار على غيره، حتى حكاه النووي إجماعا، وإن كان الخلاف ثابتا.

  قال ابن القيم في مدارج السالكين: فصل: وهل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره؟ فيه قولان لأهل العلم، وهما روايتان عن الإمام أحمد، ولم يطلع على الخلاف من حكى الإجماع على صحتها، كالنووي وغيره. انتهى.
 وانظري الفتوى رقم: 116723.

وما نقلتيه عن الإمام أحمد قد يحمل على الترهيب، فإن العادة أن من أدمن النظر وقع فيما هو أشد، ومن فقه المفتي، أن يسد على السائل الذرائع إلى المنكر.

  ولم يوافق ـ رحمه الله ـ المعتزلة.

  فقد جاء في الآداب الشرعية تعليقا على كلامه: وقال الشيخ تقي الدين: إنما أراد - يعني أحمد- أن هذه ليست توبة عامة، لم يرد أن ذنب هذا، كذنب المصر على الكبائر؛ فإن نصوصه المتواترة تنافي ذلك، وحمل كلامه على ما يصدق بعضه بعضا، أولى، لا سيما إذا كان القول الآخر مبتدعا، لم يعرف عن أحد من السلف. انتهى كلامه.

وأصحاب الإمام أحمد، وأئمة مذهبه أفهم لكلامه منا، فالتائب من الزنا مثلا تصح توبته ـ ولو أصر على غيره ـ  ويصح نكاحه إذا استوفى شروطه. وننبهك أننا لاحظنا في أسئلتك قدرا من الوسوسة؛ فنسأل الله أن يعافيك من الوسوسة. وننصحك بملازمة الدعاء والتضرع، وأن تلهي عن هذه الوساوس، ونوصيك بمراجعة طبيب نفسي ثقة، ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات من موقعنا.

  وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 51601، 147101، وتوابعها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات