السؤال
ماذا عن موضوع محاسبة النفس؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فمحاسبة النفس هي من أعلى اهتمامات أرباب القلوب الحية وأولى أوليات ذوي الألباب الواعية، وذلك أنهم لما أدركوا أن الله تعالى مطلع على حركاتهم وسكناتهم وخطراتهم ولحظاتهم وأنه يحصي ذلك عليهم ثم إليه إيابهم وعليه حسابهم، فعلموا أن من حاسب نفسه قبل يوم الحساب خف في ذلك اليوم حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومثابه، ومن لم يحاسبها قبل ذلك طالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الورطات المهلكات سيئاته، فدامت حسراته ونداماته، ولن تغني عنه شيئا ليتاته ولواته ولن تخلصه اعترافاته واستغاثاته، لما أدركوا ذلك تحققوا أنه لن ينجيهم إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة، فألزموا أنفسهم بذلك في الحركات والسكنات، واللفظات واللحظات والخطرات، واستدلوا لذلك بالآيات البينات، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) [الحشر: 18-19]. وقال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) [الأنبياء: 47]. وقال تعالى: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) [الكهف: 49]. وقال تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد) [المجادلة : 6]. وقال تعالى: (إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم) [الغاشية : 26]. وقال تعالى ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ). [ الزلزلة : 6-8]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه " [رواه الترمذي والدارمي عن أبي برزة الأسلمي]. والآيات والأحاديث المفصحة بهذا المعنى كثيرة، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا ليوم العرض الأكبر: ثم يتلو قول الله تعالى: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) [الحاقة :18].