ضابط الإصرار الذي تصير الصغيرة به كبيرة

0 171

السؤال

ما هو الضابط في كون الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة ؟ وهل إذا فعلت الصغيرة مرتين تصبح كبيرة؟.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فقد اختلف العلماء في الضابط الذي يصير به الشخص مصرا على الصغيرة فتلحق حينئذ بالكبيرة، فاعتبره بعضهم بكثرة الفعل وغلبته على الشخص، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله: فإن قيل: قد جعلتم الإصرار على الصغيرة بمثابة ارتكاب الكبيرة، فما حد الإصرار؟ أيثبت بمرتين أم بأكثر من ذلك؟ قلنا: إذا تكررت منه الصغيرة تكررا يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك ردت شهادته وروايته بذلك. انتهى.

وقال القرافي: فائدة: ما ضابط الإصرار الذي تصير الصغيرة به كبيرة؟ قال بعض العلماء: حد ذلك أن يتكرر منه تكرارا  يخل الثقة بصدقه، كما تخل به ملابسة الكبيرة، فمتى وصل إلى هذه الغاية صارت الصغيرة كبيرة، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص واختلاف الأحوال، والنظر في ذلك لأهل الاعتبار والنظر الصحيح من الحكام وعلماء الأحكام الناظرين في التجريح والتعديل. انتهى.

وفي رد المحتار لابن عابدين الحنفي: وفي شرح المنار لابن نجيم عن التقرير للأكمل أن حد الإصرار أن تتكرر منه تكررا يشعر بقلة المبالاة بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك ـ ومقتضاه أنه غير مقدر بعدد، بل مفوض إلى الرأي والعرف، والظاهر أنه بمرتين لا يكون إصرارا، ولذا قال: أي سنينا. انتهى.

وضبطه بعض أهل العلم بالعزم على معاودة الصغيرة وعدم إجماع التوبة منها، فمن فعلها ثم تاب لم يكن مصرا مهما تكرر ذلك منه، ومن عزم على معاودتها فهو المصر وإن قلت ملابسته لها، قال الفقيه ابن حجر المكي في الزواجر ما عبارته: وفسر القاضيان الماوردي والطبري الإصرار في قوله تعالى: ولم يصروا {آل عمران: 135} بأن لم يعزموا على أن لا يعودوا إليه، وقضيته حصول الإصرار بالعزم على العود بترك العزم على عدم العود، ويوافقه قول ابن الصلاح: الإصرار التلبس بضد التوبة باستمرار العزم على المعاودة واستدامة الفعل، بحيث يدخل به في حيز ما يطلق عليه الوصف بصيرورته كبيرة، وليس لزمن ذلك وعدده حصر. انتهى.

وفي تفسير القرطبي: الإصرار هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه، ومنه صر الدنانير أي الربط عليها، وقال قتادة: الإصرار الثبوت على المعاصي.. قال سهل بن عبد الله: الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصر هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدا، وهذا دعوى النفس، كيف يتوب غدا وغدا لا يملكه! وقال غير سهل: الإصرار هو أن ينوي أن لا يتوب، فإذا نوى التوبة النصوح خرج عن الإصرار، وقول سهل أحسن، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا توبة مع إصرار. انتهى.

والحاصل أن على المسلم إذا فعل ذنبا صغيرا أو كبيرا أن يبادره بالتوبة النصوح، لئلا يكون مصرا من حيث لا يشعر، وقد نبه القرطبي ـ رحمه الله ـ على بعض ما يعين على ترك الإصرار فقال: قال علماؤنا: الباعث على التوبة وحل الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار، وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين، وما وصفه من عذاب النار وتهدد به العاصين، ودام على ذلك حتى قوي خوفه ورجاؤه، فدعا الله رغبا ورهبا، والرغبة والرهبة ثمرة الخوف والرجاء، يخاف من العقاب ويرجو الثواب، والله الموفق للصواب، وقد قيل: إن الباعث على ذلك تنبيه إلهي ينبه به من أراد سعادته، لقبح الذنوب وضررها إذ هي سموم مهلكة، قلت: وهذا خلاف في اللفظ لا في المعنى، فإن الإنسان لا يتفكر في وعد الله ووعيده إلا بتنبيهه، فإذا نظر العبد بتوفيق الله تعالى إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها، وانبعث منه الندم على ما فرط، وترك مثل ما سبق مخافة عقوبة الله تعالى صدق عليه أنه تائب، فإن لم يكن كذلك كان مصرا على المعصية وملازما لأسباب الهلكة، قال سهل بن عبد الله: علامة التائب أن يشغله الذنب على الطعام والشراب، كالثلاثة الذين خلفوا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات