السؤال
أحب فعل الخيرات -ولله الحمد-، وخصوصا التصدق على الفقراء، وكلما وجدت أحد عمال النظافة أعطيه مما أفاض الله علي، وفي نفس الوقت لا أحب أن أعمل عملا وأنا مجبر عليه، ولكني أحب أن أعمله بطيب نفس؛ ليكون خالصا لله.
وكما قلت تعودت أن أعطي عمال النظافة الذين أقابلهم في طريقي، أو عند عملي، ولكن تحول الأمر إلى عادة يومية، أصبحت مجبرا عليه، بمعنى أنني أجد عمال النظافة في انتظاري يوميا عند عملي، ومن ثم؛ فلا بد أن أعطيهم؛ فتحول الأمر من حب عمل الخير إلى عمل أصبحت مجبرا عليه، فضاقت نفسي، وأصبحت أعطيهم مجبرا حتى لا أردهم، ولكن نفسي لم تعد مثل البداية، وأنا أعطيهم بنفس صافية راضية.
أعلم أن هذا باب خير، ثوابه عظيم عند الله، ولكن نفسي أصبحت مكرهة عليه، ومن ثم؛ فأخشى أنني أعطيهم بلا ثواب، أو أجر، وفي نفس الوقت أخشى من ردهم؛ حتى لا أحرم هذا الخير.
كما قلت: أحب عمل الخير بلا إجبار، وفي نفس الوقت أريد تطويع نفسي الأمارة بالسوء، فماذا أفعل؟ وهل عندما أعطيهم يكون لي ثواب؟ أم إن نفسي المكرهة أضاعت هذا الثواب؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على ما وفقك الله له من الخير، والصدقات، وعليك أن تحمد الله عليه، وتسأله المزيد من إنعامه، والعون على شكره.
وعليك أن تحمل نفسك على الإخلاص، والاحتساب، واستحضار الثواب؛ حتى تكون نفسك طيبة بما تنفقه.
ومما يساعد على ذلك: كثرة النظر في النصوص المبينة لثواب الصدقات، وعليك بقوة العزم على فعل الخير، وحسبك في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. رواه مسلم.
قال النووي: المراد بالقوة هنا: عزيمة النفس، والقريحة في أمور الآخرة. ومعناه: احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك، ولا تعجز، ولا تكسل عن طلب الطاعة. اهـ.
فينبغي لك في كل يوم أن تعلق النفس دائما برضا الله، وأن ترغبها في الخير ابتغاء وجه الله: بذكر المرغبات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، فإن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تحث على الإنفاق، وفعل الخير، وما يترتب عليه من الأجر العظيم، والثواب الجزيل عند الله تعالى، ومن ذلك: ما في قوله تعالى: ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير {البقرة:265}، وقوله تعالى: وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى {الليل17ـ21}، وقول الله تعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم* الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. {البقرة:261، 262}، وقال تعالى: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون {البقرة:272}، وقال تعالى: .. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم{المزمل: 20}.
وفي السنة الصحيحة كثير من الترغيب في الصدقة، كما في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان: فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا. وفي الصحيحين أيضا، واللفظ للبخاري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه؛ حتى تكون مثل الجبل.
وفي الحديث الذي رواه الطبراني: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر. والحديث حسنه الألباني.
وأما إعطاؤك لهؤلاء القوم بشكل روتيني، فإنك تنال به الأجر -إن شاء الله تعالى-، ففيه إعطاء السائل، وإعانة المحتاج، ونفع الغير، وقد ذكر بعض العلماء أن المسلم يؤجر على أعمال الخير من غير نية؛ اكتفاء بعموم قصده للخير، وطلبه لطاعة الله في الجملة، ولكن الاحتساب، واستحضار النية أولى، وأعظم أجرا، فقد قال الله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما {النساء:114}، قال السعدي في تفسيره: فهذه الأشياء حيثما فعلت، فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء، ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص؛ ولهذا قال: ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما. فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى، ويخلص العمل لله في كل وقت، وفي كل جزء من أجزاء الخير؛ ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص، فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا؛ لأن النية حصلت، واقترن بها ما يمكن من العمل.
وقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: قال أبو سليمان الداراني: من عمل عمل خير من غير نية، كفاه نية اختياره للإسلام على غيره من الأديان. فظاهر هذا، أنه يثاب عليه من غير نية بالكلية؛ لأنه بدخوله في الإسلام مختار لأعمال الخير في الجملة، فيثاب على كل عمل يعمله منها بتلك النية. والله أعلم. انتهى.
وقال العلامة الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين عند الكلام على حديث مسلم: ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة. قال -رحمه الله-: ...وفيه دليل على كثرة طرق الخير، وأن ما انتفع به الناس من الخير، فإن لصاحبه أجرا، وله فيه الخير، سواء نوى أو لم ينو، وهذا كقوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) (النساء:114)، فذكر الله سبحانه وتعالى أن هذه الأشياء فيها خير، سواء نويت أو لم تنو، من أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس، فهو خير ومعروف، نوى أم لم ينو، فإن نوى بذلك ابتغاء وجه الله، فإن الله يقول: (فسوف نؤتيه أجرا عظيما)، وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها كانت خيرا لصاحبها وأجرا، وإن لم ينو، فإن نوى زاد خيرا على خير، وآتاه الله تعالى من فضله أجرا عظيما. -أسأل الله العظيم أن يمن علي وعليكم بالإخلاص، والمتابعة لرسول صلى الله عليه وسلم، إنه جواد كريم-. اهـ
علما أن إكراه النفس على فعل الخير، وإرغامها على عمل الصالحات من صدقة، وغيرها، لا ينافي الإخلاص .
والله أعلم.