الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عليك أن حق الأم عظيم، ويكفي أن الله عز وجل قد نوه بها خاصة، بعد أن أوصى بالوالدين معا، قال تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير {لقمان:14}، وجعل الشرع للأم ثلاثة أرباع البر، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).
وإن كانت أمك قد ضربتك وشتمتك، فقد أساءت بذلك، إلا أن هذا لا يسوغ لك الإساءة إليها، ولا سيما بمثل هذا الدعاء عليها، فمن حقها أن تحسني إليها، ولو أساءت، وراجعي الفتوى رقم: 299887.
ولا يبعد أن يكون دعاؤها عليك سبب هذا البلاء، وليس ذلك بلازم.
وعلى كل حال؛ فنوصيك بالحرص على رضا أمك، والتأكد من مسامحتها لك، والصبر عليها، ومداراتها، ولا يقبل أن تتكرر منك هذه التصرفات السيئة معها، كما يبدو من سؤالك أن ذلك يحدث.
وإذا تكلمت بما يستفزك ويغضبك، فيسعك أن تذهبي بعيدا عنها حتى تذهب عنك ثورة الغضب، ولتتجنبي أن يصدر عنك تجاهها ما يستوجب العقوق.
وهنالك آداب عند ورود الغضب، ينبغي أن تحرصي عليها، وسبق أن بيناها في الفتوى رقم: 8038.
ونوصيك بدفع قدر البلاء بقدر الدعاء، فقد ثبت في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القدر إلا الدعاء. ومن الأدعية التي تناسب هذا المقام الأدعية المتضمنة لسؤال الله العافية، وقد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 221788، وكذا أدعية تفريج الكرب، وقد ضمنا الفتوى رقم: 70670 جملة منها.
واحرصي أيضا على رقية نفسك بالرقية الشرعية.
ولا تيأسي في سبيل طلب العمل المباح، أو طلب الزوج الصالح، ولا حرج عليك في البحث عنه، والاستعانة بالآخرين، وعرض نفسك على من ترغبين في زواجه منك، وانظري الفتوى رقم: 18430.
ومجرد المرض النفسي لا يلزم إخبار الخاطب به، إلا أن يصل لدرجة الجنون، وراجعي الفتوى رقم: 19935، ففيها بيان معيار المرض الذي يجب إخبار الخاطب به.
ولا شك في أهمية صلة الرحم، بل ووجوبها، وحرمة قطيعتها، وإن كان قرابتك لا يسألون عنك، فسلي أنت عنهم، وإن كانوا لا يصلونك، فصليهم أنت، ففي ذلك قربة من أعظم القربات، ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. قال المناوي في فيض القدير في شرح هذا الحديث: وهذا إشارة إلى الرتبة العليا في ذلك، وإلا فلو لم يقطعه أحد من قرابته، واستمر هو على مواصلاتهم عد واصلا، لكن رتبته دون من وصل من قطعه. اهـ.
وإن كان يلحقك ببعض الصلة -كزيارتهم مثلا- شيء من الأذى، فيمكنك صلتهم بما هو ممكن من الاتصال، ونحو ذلك، فكل ما يعتبر صلة عرفا، فهو صلة، قال النووي: وأما صلة الرحم: فهي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة, والسلام, وغير ذلك. اهـ.
والله أعلم.