0 146

السؤال

قلبي ميت، لا أعلم كيف أشكر الله ولا الناس. إني أناني، وقد اجتمعت في جميع آفات أمراض القلب التي يبغضها الله، ولا يقبل بها الدعاء.
هل هناك من السلف من اجتمعت فيه جميع أمراض القلب، من كبر وعجب، وغرور، وعدم شكر النعمة، ووقاحة وحقارة، وأزالها الله عنه؟ والله علمني أنه لا يجيب دعاء المتكبرين -والله أعلم- فهل هناك من أمل لشخص اجتمعت فيه كل هذه الآفات؟
وهناك أفكار تطرأ على قلبي؛ فأرفضها، ولكن بقلب ميت.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فشعورك بتلك الأمراض القلبية، دليل على أن قلبك ولله الحمد حي، ليس ميتا؛ إذ الميت لا يشعر بشيء.

فأنت على خير عظيم إذا سعيت في علاج ما تشعر به، والتخلص منه، واعلم أن معرفة المرض هي أول طريق العلاج، ولا تيأس من رحمة الله ولا تقنط من روح الله، فإن الذي شرع لك مجاهدة نفسك، قد وعدك بالعون والتوفيق إذا بذلت وسعك في ذلك، كما قال تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا {العنكبوت:69}.

وما من أحد إلا وتعتريه بعض تلك الآفات، وسبيل التخلص منها هو المجاهدة الصادقة، ومعرفة طرق إصلاح القلب، ودوام محاسبة النفس، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.

وننصحك هنا بمراجعة باب المهلكات من مختصرات إحياء علوم الدين؛ فإن فيه إرشادا لكيفية علاج أمراض القلب على وجه حسن.

كما ننصحك بمراجعة تهذيب مدارج السالكين، ونحوه من كتب ابن القيم وابن تيمية وابن رجب؛ فإن فيها نفعا عظيما في معرفة كيفية إصلاح القلب.

وقد كان السلف -رحمهم الله- بشرا عاديين، تصيبهم تلك الأمراض، ولكنهم يتخلصون منها بالمجاهدة ودوام المحاسبة والمراقبة، فلا تيأس ولا تقنط، بل أحسن ظنك بربك تعالى، وتوكل عليه في إصلاح قلبك؛ فإن هذا من أعظم أنواع التوكل.

قال ابن القيم رحمه الله: التوكل على الله نوعان:

أحدهما: توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية، أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية.

والثاني: التوكل عليه في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الإيمان واليقين، والجهاد والدعوة إليه.

 وبين النوعين من الفضل ما لا يحصيه إلا الله، فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حق توكله، كفاه النوع الأول تمام الكفاية. ومتى توكل عليه في النوع الأول دون الثاني، كفاه أيضا، لكن لا يكون له عاقبة المتوكل عليه فيما يحبه ويرضاه. فأعظم التوكل عليه، التوكل في الهداية وتجريد التوحيد، ومتابعة الرسول، وجهاد أهل الباطل، فهذا توكل الرسل وخاصة أتباعهم. انتهى.

وإساءتك الظن بنفسك أمر حسن، لكن لا ينبغي أن يصل هذا بك إلى الحد المرضي المقعد عن إصلاح النفس، وابتغاء تكميلها بطاعة الله تعالى، فالعبد لا يزال في مجاهدة لشيطانه ونفسه الأمارة بالسوء، وسعي في إصلاح نفسه وتكميلها ما ترددت روحه في جسده، واستعن بالدعاء، وأكثر منه؛ فإن الله إذا اطلع على صدقك في التوجه إليه، والرغبة فيما عنده، آتاك سؤلك، وحقق لك أملك.

نسأل الله لنا ولك صلاح القلوب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات