السؤال
كنت منحرفا في صغري كثيرا، وكنت أرفع قصصا إباحية على المواقع الإلكترونية؛ ليقرأها كل عابر، ووقد تبت إلى الله تعالى منذ عامين، ولكن القصص التي رفعتها لم أعد أستطيع حذفها؛ لأني نسيت كلمة المرور، ويعلم الله أني حاولت أكثر من مرة حذفها، ولكني لم أستطع، وأنا في أشد الندم والخوف الآن؛ لأن كل من شاهدها وأثير بسببي، وشاهد المواقع الخليعة بعد ذلك، فعلي مثل ذنبه؛ لأني حمسته، ومهما حاولت أن أتوب، فإني أذكر هذا الأمر، ولا أعلم ما يفعل الله بي، فهل لي من توبة؟ وهل علي وزر كل من أثير، وفتح المواقع الخليعة بعدها، وإن لم أطلب منه ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي تاب عليك، ونوصيك بالاستقامة على شرع الله تعالى، ولزوم الاستغفار، والإكثار من الحسنات الماحية، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
واعلم أن بقاء أثر تلك المعصية، لا يضرك ما دمت قد تبت إلى الله تعالى، فإن التوبة النصوح تهدم ما كان قبلها، ولا تأثم أنت إن قرأ أحد هذه الأشياء، ما دمت قد عجزت عن محوها، قال صاحب مراقي السعود:
من تاب بعد أن تعاطى السببا * فقد أتى بما عليه وجبــا
وإن بقي فساده، كـــمن رجــــع * عن بث بدعة عليها يتبع.
قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: وأما الإشكال الذي في الإقلاع عن الذنب، فحاصله أن من تاب من الذنب الذي هو متلبس به، مع بقاء فساد ذلك الذنب، أي: أثره السيئ، هل تكون توبته صحيحة؛ نظرا إلى أنه فعل في توبته كل ما يستطيعه، وإن كان الإقلاع عن الذنب لم يتحقق؛ للعجز عن إزالة فساده في ذلك الوقت، أو لا تكون توبته صحيحة; لأن الإقلاع عن الذنب الذي هو ركن التوبة لم يتحقق؟
ومن أمثلة هذا: من كان على بدعة من البدع السيئة المخالفة للشرع المستوجبة للعذاب إذا بث بدعته، وانتشرت في أقطار الدنيا، ثم تاب من ارتكاب تلك البدعة، فندم على ذلك، ونوى ألا يعود إليه أبدا، مع أن إقلاعه عن بدعته، لا قدرة له عليه؛ لانتشارها في أقطار الدنيا; ولأن من سن سنة سيئة، فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ففساد بدعته باق... فجمهور أهل الأصول على أن توبته صحيحة؛ لأن التوبة واجبة عليه، وقد فعل من هذا الواجب كل ما يقدر عليه، وما لا قدرة له عليه، معذور فيه; لقوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [2 286]، إلى آخر الأدلة التي قدمناها قريبا. انتهى.
والله أعلم.