التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره

0 82

السؤال

هل مرتكب الكبيرة التائب، لا تقبل توبته عن كبيرته، إذا كانت له معاص، كقطيعة رحم، أو مشاحنة مع مسلم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فهذه المسألة هي المعروفة بالتوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، وللعلماء فيها أقوال:

فمنهم: من لم ير صحة التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره.

ومنهم -وهو قول الأكثر-: من يرى صحة التوبة إذا استوفت شروطها.

ومنهم: من يفصل بين ما كان من جنس الذنب الذي تاب منه، وما لم يكن كذلك.

والصحيح -إن شاء الله- هو قول الجمهور، وهو صحة التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، وتبقى عليه تبعة ذلك الذنب الذي لم يتب منه، قال المحقق ابن القيم -رحمه الله-: وسر المسألة، أن التوبة هل تتبعض، كالمعصية، فيكون تائبا من وجه دون وجه، كالإيمان والإسلام؟

والراجح: تبعضها، فإنها كما تتفاضل في كيفيتها، كذلك تفاضل في كميتها، ولو أتى العبد بفرض وترك فرضا آخر لاستحق العقوبة على ما تركه دون ما فعله، فهكذا إذا تاب من ذنب وأصر على آخر؛ لأن التوبة فرض من الذنبين، فقد أدى أحد الفرضين وترك الآخر، فلا يكون ما ترك موجبا لبطلان ما فعل، كمن ترك الحج وأتى بالصلاة، والصيام، والزكاة. انتهى.

ورجح هو عدم صحة التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر من جنسه، فقال ما عبارته:

والذي عندي في هذه المسألة: أن التوبة لا تصح من ذنب، مع الإصرار على آخر من نوعه.

وأما التوبة من ذنب، مع مباشرة آخر لا تعلق له به، ولا هو من نوعه، فتصح، كما إذا تاب من الربا، ولم يتب من شرب الخمر مثلا، فإن توبته من الربا صحيحة، وأما إذا تاب من ربا الفضل، ولم يتب من ربا النسيئة، وأصر عليه، أو بالعكس، أو تاب من تناول الحشيشة، وأصر على شرب الخمر، أو بالعكس، فهذا لا تصح توبته، وهو كمن يتوب عن الزنى بامرأة، وهو مصر على الزنى بغيرها غير تائب منها، أو تاب من شرب عصير العنب المسكر، وهو مصر على شرب غيره من الأشربة المسكرة، فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر، بخلاف من عدل عن معصية إلى معصية أخرى غيرها في الجنس، إما لأن وزرها أخف، وإما لغلبة دواعي الطبع إليها، وقهر سلطان شهوتها له، وإما لأن أسبابها حاضرة لديه عتيدة، لا يحتاج إلى استدعائها، بخلاف معصية يحتاج إلى استدعاء أسبابها، وإما لاستحواذ قرنائه وخلطائه عليه، فلا يدعونه يتوب منها، وله بينهم حظوة بها وجاه، فلا تطاوعه نفسه على إفساد جاهه بالتوبة. انتهى. وراجع الفتوى: 222013.

وإذا تبين لك هذا؛ فمن كان تائبا من الغيبة مثلا، وهو قاطع للرحم، صحت توبته مما تاب منه، وبقي عليه إثم ذلك الذنب الذي لم يتب منه، فيحتاج إلى أن يبادره بتوبة على الفور.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات