السؤال
أب لديه من الأولاد أربعة ذكور، وأنثى واحدة، والابن الأكبر لهذا الأب يبلغ من العمر 38 سنة، متزوج، ولديه أربعة أبناء، وهذا الابن لم يستطع طوال حياته الاعتراض المباشر على والده، الذي يضغط عليه ضغوطا شديدة غير مباشرة بطلبات، وقرارات، والابن يطيعه، على حساب دمار نفسي شديد.
في بداية حياته كان يعمل مع والده، وبعد مشاكل كثيرة جدا، وبعد فتاوى بجواز الانفصال عن الأب في العمل، انفصل، وقاطعه والده أربع سنوات، وهو ملتزم بود والده ووالدته، حتى تحسنت العلاقة بينهم، وارتضى الأب بالأمر الواقع، ولكنه لا يزال في الضغط والطلبات؛ مما أدى إلى وصول الابن للعلاج النفسي، واستمر أيضا في طاعة والده، فهل يجوز لهذا الابن مصارحة والده بما يعانيه من ألم نفسي ناتج عن هذه الضغوط ؟ وهل يجوز في حالة استمرار الأب أن يهاجر الابن وأسرته إلى أي دولة أخرى بعيدة؛ حتى يكون بعيدا عن ضغوط هذا الأب؟
أرجو الإجابة بوضوح؛ حيث إنني فعلا أعاني معاناة نفسية شديدة طوال حياتي؛ بسبب والدي، وطلباته مني أنا فقط دون باقي إخوتي، وفرض قراراته، وأنا لا أستطيع سوى الطاعة.
ولدي رغبة في الهجرة الآن؛ حتى أكون بعيدا عنه تماما؛ مما يقطع عليه طريق الطلبات والقرارات، ولكنني أخشى أن أكون آثما بالتفريق بيني وبينه وبين أحفاده.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحق الوالد على ولده عظيم، وبره، ومصاحبته بالمعروف واجبة، مهما كان حاله، فإن الله قد أمر الولد بمصاحبة والديه بالمعروف، ولو كانا مشركين يأمرانه بالشرك، لكن هذا لا يعني أن الولد يكلف ما لا يطيق، أو يؤمر بطاعة والده في ما يضره، وإنما تكون الطاعة في المعروف، قال ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر، فإن شق عليه، ولم يضره، وجب، وإلا فلا. انتهى.
وعليه؛ فلا يجب على الولد طاعة أبيه فيما يضره في دينه، أو دنياه، وإذا أراد سفرا بعيدا؛ ليتخلص من أذى والده له، فلا حرج عليه في ذلك، قال القرافي -رحمه الله- في الفروق: وإن كان المقصود منه (السفر) دفع حاجات نفسه، أو أهله، بحيث لو تركه تأذى بتركه، كان له مخالفتهما لقوله - عليه السلام -: لا ضرر، ولا ضرار، وكما نمنعه من إذايتهما، نمنعهما من إذايته. انتهى. وراجع الفتوى: 60672.
وسفر الولد، لا يمنع من بره بوالده، ولا يقطع الصلة بين والده وأحفاده، فالصلة تحصل في مثل هذه الحال بالمكالمات، والرسائل، ونحوها، كما تحصل بالإكرام بالهدية، وغيرها، وبكل ما يعد في العرف صلة، حسب الوسع، والطاقة.
والله أعلم.