المفهوم الصحيح للابتلاء

0 20

السؤال

رزقني الله بالهداية -اللهم لك الحمد-؛ لأن الدين هو الحياة الطيبة، لكن يثقل على نفسي فهم حديث: يبتلى المرء على قدر دينه، فإذا كان في دينه صلابه شدد الابتلاء عليه.
وكأن المعنى الذي أفهمه أنه كلما ازددت طاعة، ازددت فقرا ومرضا. وهذا يثقل علي جدا.
أرجو التوجيه، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فنحمد الله تعالى أن من الله عليك بالهداية والتوفيق، ونسأله -سبحانه- ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك، وأن يؤتيك من لدنه رحمة، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا.

وأما ما سألت عنه حول الابتلاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ‌يبتلى الرجل على حسب دينه ... الحديث. وأنك فهمت منه أنه كلما ازددت طاعة، ازددت فقرا ومرضا، فجوابه أن الأمر ليس كما فهمت، ولا يلزم ذلك، فالابتلاء أولا قد يكون بالسراء، وقد يكون بالضراء، وقد قال تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون [الأنبياء:35]، وقال أيضا: فأما الأنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن* وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن [الفجر:15-16].

وفي الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له. رواه مسلم.

والله تعالى لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له، ساءه هذا القضاء، أو سره. قال ابن القيم في مدارج السالكينمنع الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن المحب عطاء، وابتلاءه إياه عافية. قال سفيان الثوري : منعه عطاء وذلك: أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما نظر في خير عبده المؤمن، فمنعه اختيارا وحسن نظر، وهذا كما قال، فإنه سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له، ساءه ذلك القضاء أو سره، فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء، وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية، ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائما لطبعه، ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة، والبلاء رحمة. اهـ

وتأمل في قوله تعالى: وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا* فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما [الكهف:80-81]، أرسل الله عبده الخضر يقتل هذا الغلام خشية على أبويه أن يحملهما حبه على متابعته في الكفر، قال ابن كثير في تفسيره عن قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن في ما يكره خير له من قضائه في ما يحب. انتهى.

وعليه؛ فما تتوهمه من كون العبد إذا ازداد طاعة؛ زيد عليه في البلاء بالضراء ليس لازما، ولو وقع عليه، فسيكون فيه خير له بإذن الله تعالى، ولله تعالى في تقدير البلاء حكم عظيمة منها: تكفير الخطايا، ورفع الدرجات. وانظر تفصيل ذلك في الفتوى: 13270.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات