السؤال
عندما أقوم بالطاعات، وأخشع فيها، وأستشعر قرب الله، أشعر أنني سأصاب بالجنون، وأنني مهما فعلت من الطاعات، فهي في الحقيقة لا شيء.
وعندما أريد شكر الله بفعل الطاعات، واجتناب النواهي، أشعر أنها في جميع الأحوال فرض علي، فكيف تكون شكرا!؟ فكيف أصل إلى الشكر الحقيقي، وأكون قد أديت ما علي؟ رغم أن هذا لن يحدث؛ لأنه لا أحد يؤدي حق الله كاملا أبدا، وكل هذه الأمور تؤدي بي أحيانا للنفور من العبادة، والخوف منها، والذهاب لضدها -من لهو، وغفلة، وغير ذلك-، فماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي يعينك على طرد هذا الشعور السيئ أن تستحضري أن ربك تعالى شكور، ومن شكره لعباده أنه يقبل القليل من العمل، ويثيب عليه الثواب الجزيل.
ومن رحمته -تعالى- بعباده أن جعل طاعاتهم القليلة وعباداتهم اليسيرة سببا لنيل جنته، وحصول كرامته.
ومن شكره -تعالى- لعباده أنه يرضى من العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها، فهو -سبحانه- جواد كريم، رؤوف بر رحيم.
فاستحضري هذه الصفات كلها؛ تعلمي لماذا رضي منا -سبحانه- بهذا العمل القليل، وأثابنا عليه ذلك الثواب الجزيل.
وليكن ذلك باعثا على مزيد حبه -تعالى-؛ لما أولانا من الفضل والإحسان، وباعثا على مزيد الاجتهاد في طاعته -جل اسمه-، وفعل أقل القليل مما يستوجبه -جل اسمه-.
ثم اعلمي كذلك أن ربك -تعالى- غني عنك، وعن عبادتك، وأنها لا تزيده -سبحانه- شيئا، ولا ينقصه تركها.
فحين تتقربين بالفرائض والنوافل، فإنك تنفعين نفسك على الحقيقة، وحين تعودين للهو واللعب، فإنما تضرين نفسك، قال الله: ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه {محمد:38}، وفي الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم في الصحيح: يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا؛ فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.
فأحسني ظنك بربك، وأملي الخير منه -سبحانه-، ودعي عنك الكسل، والبطالة، وتلبيسات الشيطان، وإقعاده لك عن العبادة بالشبهات الداحضة.
واجتهدي في طاعة ربك رجاء نجاة نفسك، وفوزها، وفلاحها في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.