التوفيق بين قوله تعالى: واستعمركم فيها، وقول النبي: كن في الدنيا كأنك غريب

0 19

السؤال

كيف نوفق بين قول الله -عز وجل-: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها. هود:61. وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل. رواه البخاري والترمذي وابن ماجه وغيرهم؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول الله تعالى: واستعمركم فيها.{سورة هود:}، أي جعلكم ساكنيها مدة أعماركم، وهذا قول مجاهد. وقيل معناه: أطال أعماركم. وقيل: جعلكم عمارها، تعمرونها وتستغلونها. فهذه ثلاثة أقوال قيلت في تفسيرها. ذكرها ابن الجوزي في زاد المسير، وغيره.

قال الطاهر بن عاشور -رحمه الله تعالى- في تفسيره التحرير والتنوير: والاستعمار: الإعمار، أي جعلكم عامريها... ومعنى الإعمار أنهم جعلوا الأرض عامرة بالبناء والغرس والزرع. اهـ.
والقولان الأولان لا يظهر تعارض بينهما، وبين حديث: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل. رواه البخاري.

والقول الأخير: "تعمرونها وتستغلونها" لا تعارض بينه وبين الآية في الحقيقة؛ لأن كلا من الغريب وابن السبيل لا بد له مما يصلح شأنه في بلد الغربة التي يمر بها، فلا يتصور أن ينقطع الغريب عن حاجاته التي لا غنى له عنها.

وكذا الإنسان في هذه الدنيا لا بد له من عمارة الأرض بالبناء والغرس والزرع، فهو محتاج إلى السكن والغرس والبناء حتى يعيش، ويؤدي المهمة التي خلق لها، وهي عبادة الله تعالى، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العمارة للأرض بقوله: إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها؛ فليغرسها. رواه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد في المسند.

فلا تعارض إذن بين الآية وبين الحديث، وإنما الذي يذم به الإنسان هو التعلق بالدنيا، وإيثارها على الآخرة، والركون إليها.

قال النووي في رياض الصالحين، في معنى الحديث: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها.

ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله. اهــ.
 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات