السؤال
أنا فتاة عمري 20 عاما، طالبة في كلية الطب، لا أستطيع أن أقول عن نفسي صالحة، ولا أستطيع أن أقول العكس؛ فأنا في بعض الأوقات ألتزم، وأصلي القيام، وأتخذ وردا من القرآن، وأستمع إلى الخطب الدينية، وأوقات أخرى أحمل الموسيقي، وأستمع إلى المسلسلات، وأذنب ذنوبا معينة؛ فأنا متذبذبة، ولا أعرف هل أنا منافقة، أو مرائية، أو أحب الله ورسوله، أو أقول هذا لأشعر نفسي بتحسن، ولكني -والحمد لله- الآن في فترة القرب من الله، وأحفظ القرآن، ومسحت الموسيقى.
ابن عمتي يريد أن يتقدم لخطبتي في نهاية هذا العام، وهو غني؛ لأن والده يمتلك أبراجا، ويعيشون في منزل فخم، وهو في كلية الشريعة الإسلامية، ومن النظرة الاجتماعية هو أقل مني، فأنا طبيبة، وهو في كلية عادية، ولكن هذه ميزة في نظري، فعن طريق هذه الكلية سيزيد إيمانه وعلمه بالله -بإذن الله-.
المشكلة أنه -والله أعلم- ليس على قدر من التدين -على حد علمي-، ولا يحق لي أن أحكم على أحد، ولعله أفضل عند الله مني، ولكني ليس لي غير الظاهر لأحكم، فأنا لا أعلم عنه شيئا، ولم أتعامل معه من قبل؛ لأن أبي -والحمد لله- منعني من الصغر من الاختلاط مع أقاربي الشباب.
كانت عمتي قد وعدت أمي أنهم سيشترون لي سيارة، ويبنون لي مستشفى، وغير ذلك من العروض؛ بحجة تعويض الفارق التعليمي بيننا، ولكني لا أهتم لكل هذه الإغراءات؛ لأن الصفة الرئيسة التي أريدها في زوجي أن يكون ثابتا على دينه، وليس متزعزعا مثلي؛ ليعينني؛ ولأن اختياري للزوج سيحدد أسلوب حياتي حتى أموت، وألقى ربي، وحتى يذكرني إن تزعزعت، أو اهتززت، أو انتكست؛ لأني -والحمد لله- أستجيب للنصح، وأعود إن ذكرني أحد بالله.
أرجو أن تنصحوني، وترشدوني إلى الصواب، وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على ثقتك بنا، والكتابة إلينا، ونرجو أن نكون عند حسن ظنك، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياك لكل خير.
ثم اعلمي أنك محسنة، وعلى خير عظيم، ما دمت تصلين، وتقومين بتلاوة القرآن، وتستمعين إلى المحاضرات، وفي الوقت ذاته مخطئة بمتابعة المسلسلات، إذا كانت هذه المسلسلات فيها مخالفة شرعية، ومسيئة كذلك بالاستماع للموسيقى.
وهذا لا يلزم منه أن تكوني منافقة؛ فإن المؤمن قد يزل، ويقع في المعصية، فإن وقع ذلك؛ فالواجب المبادرة للتوبة، روى أحمد، والترمذي، وابن ماجه عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
فالشأن كل الشأن في الإقبال على التوبة، وهي واجبة على الفور، لا يجوز تأخيرها، قال عبد السميع الآبي في الثمر الداني: (والتوبة فريضة من كل ذنب) وهي: الندم على ما فات، والإقلاع عن الذنب في الحال، والنية أن لا يعود. اهـ.
ثم إن التقلب في الأحوال بين الطاعة والمعصية، لا شك في أنه موجب للشفقة؛ فيخشى المرء أنه يموت على المعصية من غير التوبة منها؛ فيكون قد ختم له بسوء.
وقد ذكرت أنك الآن في فترة القرب من الله، وحفظ القرآن، فجزاك الله خيرا، وداومي على ذلك -ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة-.
وأكثري من الدعاء بذلك، فقد جاء في حديث شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة -رضي الله عنها-: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك. قالت: فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك. قال: يا أم سلمة، ما من آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله عز وجل ما شاء أقام، وما شاء أزاغ. رواه أحمد، والترمذي.
ولا شك في أهمية دراسة الطب، ومنفعة ذلك للمجتمع، وعظيم حاجة الناس إليه، ولكن في الحقيقة إن اعتبار دراسة الطب أحسن وأعلى مقاما من الدراسات الإسلامية؛ مقياس مختل، منطلقه النظرة الدنيوية البحتة، وغالبا ما يصدر ذلك عن أهل الغفلة.
وقد أحسنت بكونك تجعلين تركيزك على ما يتعلق بالرضا عن دين هذا الشاب، وخلقه، وهو ما أرشد إليه الشرع، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه، وخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.
وإن كنت تجهلين حاله، فاسألي الثقات ممن يعرفونه، وتعاملوا معه، فإن أثنوا عليه خيرا؛ فاقبلي به زوجا، واستخيري الله عز وجل في أمره، فإن كان في زواجك منه خير، وفقك إليه، وإلا صرفه عنك.
وراجعي في الاستخارة الفتوى: 19333، والفتوى: 123457.
والله أعلم.