السؤال
ما صحة هذا القول: "من عبد الله دون أن يعرفه، ما زادته عبادته إلا بعدا"؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بالعبارة المذكورة، فقد ذكر ابن القيم في كتابه: (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين) عبارة قريبة منها، وهي قوله: من عبد الله بحال مجرد عن علم، لم يزدد من الله إلا بعدا. اهـ.
ولا إشكال في أن العبادة بجهل، لا تنفع صاحبها؛ فالعمل الصالح المقبول عند الله لا بد أن يجمع صاحبه بين الإخلاص، وموافقة الشرع، وهذا لا يحصل بغير علم، قال تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا {الملك:2}، قال الفضيل بن عياض -كما في حلية الأولياء-: أخلصه، وأصوبه، فإنه إذا كان خالصا، ولم يكن صوابا؛ لم يقبل، وإذا كان صوابا، ولم يكن خالصا؛ لم يقبل، حتى يكون خالصا، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة. اهـ.
وقال ابن تيمية في الإيمان الأوسط: وليس صلاح الإنسان في مجرد أن يعلم الحق دون ألا يحبه، ويريده، ويتبعه، كما أنه ليس سعادته في أن يكون عالما بالله، مقرا بما يستحقه، دون أن يكون محبا لله، عابدا لله، مطيعا لله، بل أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه؛ فإذا علم الإنسان الحق، وأبغضه، وعاداه؛ كان مستحقا من غضب الله وعقابه ما لا يستحقه من ليس كذلك.
كما أن من كان قاصدا للحق طالبا له -وهو جاهل بالمطلوب وطريقه- كان فيه من الضلال، وكان مستحقا من اللعنة -التي هي البعد عن رحمة الله- ما لا يستحقه من ليس مثله؛ ولهذا أمرنا الله أن نقول: {اهدنا الصراط المستقيم} {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، والمغضوب عليهم علموا الحق فلم يحبوه، ولم يتبعوه. والضالون قصدوا الحق لكن بجهل، وضلال به، وبطريقه.
فهذا بمنزلة العالم الفاجر، وهذا بمنزلة العابد الجاهل. وهذا حال اليهود؛ فإنه مغضوب عليهم، وهذا حال النصارى؛ فإنهم ضالون، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون}. اهـ.
والله أعلم.