الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا نوصيك بمواصلة التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة والاستعانة بالصلاة،
فإن الذنوب هي أخطر المشاكل، وهي أعظم أسباب البلاء، فإذا تاب العبد أحبه الله وحقق له الفلاح؛ كما قال تعالى: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون {النور: 31} وقال تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين {البقرة: 222}
ومن أحبه الله أعطاه ما طلب وأمنه مما يخاف، فقد روى أبوهريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه …. رواه البخاري .
ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء.
ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل
واعلم أن الدعاء هو أعظم أسباب رفع البلاء، فقد روى الترمذي عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. والحديث حسنه الألباني
فعليك بالدعاء بدعوة يونس وباسم الله الأعظم، ففي الحديث : دعوة ذي النون التي دعا بها في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم في كربة إلا استجاب الله له. رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أتدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد وصححه الألباني
وعليك بتحري الدعاء في ثلث الليل الأخير، وفي السجود، فقد أخرج مسلم وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصبح
وقال صلى الله عليه وسلم في الحض على الدعاء في السجود: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم. رواه مسلم.
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يستجيب لك وأن يخلف عليك بخير، وأن يفتح علينا وعليك أبواب فضله ورزقه.
واعلم أن ما عند الله لا ينال بمعصيته، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على شؤم المعاصي، وأنها من أسباب البلايا والرزايا التي تصيب الإنسان في حياته وبعد مماته إذا لم يتب منها. قال الله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير {الشورى:30}، وقال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون {السجدة 21}
واعلم أن التعامل بالربا لا يجوز، ومن فعله فقد فتح عليه باب شر عظيم باقترافه كبيرة من الموبقات، وستمحق بركة ما أخذه من الربا، ويتعرض لإعلان حرب بينه وبين رب العزة جل جلاله، ينال بسببها اللعن وعذاب الدارين، قال تعالى : يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون {البقرة: 276-279}
وفي مسند أحمد عن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية. ورجال الحديث رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع
وقال صلى الله عليه وسلم: الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وقد روى البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا، وفيه: أنه عليه السلام مر على أقوام يعذبون ألوانا من العذاب، ومنهم: رجل يسبح في بحر من دم، وعلى حافة ا لنهر رجل بين يديه حجارة، وكلما اقترب الرجل من حافة النهر فغر فاه فألقمه ذاك الرجل حجرا فيرجع، فإذا اقترب من حافة النهر ألقمه الرجل حجرا آخر، وهكذا... ونسأل الله العافية، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قيل له: هذا آكل الربا.
وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء يعني في الإثم.
ثم إن الله جلت قدرته يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء لحكم يعلمها الله قد يكون من ضمنها امتحان صدق العبد في التوبة وتكفير ذنبه، وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وقال تعالى: كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون {الأنبياء:35}.
وقال: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون {البقرة: 155-156}
وقال الله تعالى: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين {العنكبوت: 2-3}
فعليك بالرضى بقضاء الله وقدره خير وشره، فهو من أركان الإيمان الستة كما في حديث جبريل: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره رواه مسلم
وعليك بالقناعة والرضى بما قسم الله لك، فإن الرضى والشكر سبب الغنى والمزيد
ففي الحديث: كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما، وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. رواه ابن ماجه وصححه الألباني
وفي لفظ آخر: كن ورعا تكن من أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس، وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمنا، وجاور من جاورت بإحسان تكن مسلما، وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك فساد القلب . رواه ابن ماجه وحسنه الألباني
وعند الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه، فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه، ووسعه، وإن لم يرض لم يبارك له، ولم يزد على ما كتب له. والحديث صححه السيوطي والألباني في صحيح الجامع.
ثم إن بسط الرزق وتضييقه من قضاء الله ومشيئته؛ كما قال الله تعالى: الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم {العنكبوت:62}.
وقال تعالى: أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون {الزمر:52}، ومعنى "يقدر": يضيق.
وإن من أعظم أسباب سعة الرزق تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب {الطلاق:2- 3}.
ومن أعظم أسباب ضيق الرزق معصية الله تعالى، ففي المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وهناك أسباب أخرى متفرعة عن السببين المتقدمين، منها -مثلا- صلة الرحم، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه.
ومنها -أيضا- كثرة الإنفاق في سبيل الله والصدقة ابتغاء وجهه تعالى
ولا بد أن ننبه إلى أمر وهو أن سعة الرزق أو ضيقه تعني بالدرجة الأولى ما يجعله الله تعالى من البركة في ما آتاه لعبده، وما يمتعه به من السعادة والطمأنينة به، وشواهد ذلك كثيرة من واقع الناس.
قال الله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون {الأعراف: 96}
وقد تكون كثرة المال للعاصي سببا لاستدراجه؛ كما في الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. رواه أحمد والبيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير وصححه الألباني.
وراجع في تخريج حديث الواقعة الفتوى رقم 13140
والله أعلم.