السؤال
انفصل أبي عن أمي بعد عشرة دامت 40 سنة، وأمي ليس لها أحد، فهي يتيمة منذ طفولتها، وليس لها أخ، ولا عم، فهي مقطوعة من الأقارب، وعندما طلق أبي أمي، أقسم أن يريها ما لم تره في حياتها؛ بسبب رفضها الرجوع إليه، ولكننا نحن البنات -وعددنا 7 - رفضنا أن يذلها، أو يهينها، وفتحنا لها بيتا، وآويناها، وصرفنا عليها ما قدرنا الله عليه، أما إخواننا الذكور فقد ساندوا الوالد في ظلمه، فذهبنا -نحن البنات- إلى أبي لمحاولة الإصلاح، وإرجاع أمنا إليه، ولكنه رفض، وقال: لا ترجع إلى بيت أولادها، ما عدت أريدها، ومشكلتنا مع أبي أنه هجرنا، ولا يسأل عنا، وقد ذهبنا إليه أكثر من مرة، وهو يرجعنا، وقد تزوج وأنجب، وهو يطلب منا أن لا نزوره؛ لأننا نسبب له المشاكل مع زوجته، وهو يقول: إننا قوينا أمنا عليه، ولم نتركه يحقق هدفه فيها، وأمي بلغت الستين عاما، فهل أذنبنا عندما حميناها منه، وهي لا معين لها إلا الله؟ هل نترك زيارة أبينا؛ لطلبه من بعض الجيران أن نتركه في حاله؟ وأبي بصحة جيدة، فما رأي الشرع؟ وكيف نصله، وزوجته تغلق الأبواب في وجهنا، وتكذب علينا؛ لكي تثير المشاكل؟ جزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسنتن بإيوائكن أمكن، ومنعكن أباكن من ظلمها، والإساءة إليها، ونسأل الله تعالى أن يثيبكن، ويتقبل منكن، فبر الوالدين من أفضل الأعمال، وأحسن القرب، سيما الأم، فهي أحق الناس بحسن الصحبة، والإحسان، كما في قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله: من أحق الناس بحسن صحابتي، يا رسول الله؟ قال: أمك (ثلاثا)، ثم قال: أبوك. رواه البخاري، ومسلم. وقال لرجل استأذنه في الغزو: هل لك من أم؟، قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها. رواه النسائي، وابن ماجه، واللفظ للنسائي.
ولكن هذا لا يعني التقصير في حق الأب، فله حقه الواجب، وبره المندوب إليه شرعا، فيجب أداؤه إليه، ولو قصر فيما يجب عليه.
فعليكن أن تحسن إليه، وتزرنه، ما لم يطلب منكن عدم ذلك؛ لمصلحته؛ لأنه قد يطلب ذلك تأديبا، لكن وهو لا يريد مقاطعته، وإن زرتنه، فلا تظهرن إلا حبه، ووده، ولا تظهرن لزوجته إلا ذلك أيضا؛ فإنه مما يطيب خاطره، ويجلب رضاه، فأحسن علاقتكن بها؛ لأن ذلك من كمال بره، والإحسان إليه، ولا تقطعنه مهما يكن من أمر.
وإذا كان لا يزال في نفسه عليكن شيء، فأرضينه بالقول الحسن، والفعل الجميل. ولو كان يحب الاعتذار، فاعتذرن إليه، ووسطن من قرابتكن، وذوي رحمكن من له وجاهة عنده، وتأثير عليه؛ ليصفح عنكن، ويرضى.
وأما مقاطعته -ولو طلب ذلك- فإنها لا تزيده منكن إلا نفورا، فلا تفعلنها، واجتهدن بالدعاء له، والإحسان إليه، وقد قال الله تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}، وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن قرابته الذين يصلهم ويقطعونه، ويحسن إليهم ويسيؤون إليه، ويحلم عليهم ويجهلون عليه، قال له: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
ونوصي بذلك أيضا مع إخوتكن، وإذا رضي هو فسيرضون هم تبعا له، وللفائدة نرجو مراجعة الفتويين: 71680، 35695.
والله أعلم.