الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتجاوز خجلي وأتعامل بثقة في المواقف الاجتماعية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت في ما مضى من دراستي الابتدائية شديد الخجل، حتى إنني كنت أخجل من إلقاء السلام، وكنت أدرس في مدارس خاصة، بعيدًا عن الطلاب المنحرفين أو المشاكسين أو المهملين، وبعد أن كبرت، انتقلت إلى مدرسة حكومية، وزال عني الخجل بعض الشيء، إذ لا يزال لدي بعض منه، في ما يتعلق بالكلام مع أشخاص جدد عليّ، أو في ما يتعلق بالمخاصمة والمساومة في عملية البيع والشراء -مثلًا-.

كما أنني أشعر بخجل كبير إذا كنت وسط مجموعة من الناس، وكانت أعينهم موجهة إليّ، سواء في الأماكن العامة أو المدارس.

مشكلتي الأساسية هي أنني الآن، وبعد أن انتقلت إلى المدارس الحكومية، احتككت كثيرًا بهؤلاء الشباب، الذين لا أعرف كيف أسميهم، هل هم منحرفون، أم قليلو أدب، أم أولاد شوارع، أم غير مؤدبين؟ وأصبحت لا أعرف كيفية التعامل معهم، وكيفية الرد عليهم، فمثلًا: إذا قام أحدهم بدفعي دون أي سبب، أو قام بسبي وسب والدي، أو قام بالصراخ والاستهزاء بي أمام الطلاب، لا أعرف ماذا أفعل، لأنني لا أستطيع أن أضربه -كي لا أُطرد من المدرسة؛ حيث يُطرد الذين يتضاربون في المدارس- ولا أستطيع الرد عليه، لأنه بالتأكيد سيصل الأمر إلى العراك.

فأريد من حضرتكم أن تعطوني الطريقة، لكيفية التغلب على هذه المواقف، وكيف أتعامل مع من يصرخ عليّ، أو يستهزئ بي في الأماكن العامة، أو في أي مكان أكون فيه محط أنظار الناس؟ وكيف أتعامل مع من يسبني، أو يسب أحدًا من والديّ أيضًا أمام الناس؟ وكيف أتعامل إذا انتابني الخجل أمام الناس؟ وكيف أتعامل في وقت المساومة في عملية البيع والشراء، حيث قد أواجه مواقف مماثلة كالصراخ أو ما يشابهه؟

حياتي أصبحت بلا قيمة، وأصبحت أنظر إلى المنحرفين وأمثال هؤلاء على أنهم أفضل مني، وقد تعلموا كيف يواجهون حياتهم الاجتماعية، وأصبحتُ ألقي اللوم على والديّ، لأنهما لم يعلماني من صغري مبادئ الحياة الاجتماعية!

أرجوكم أن تدلوني على الخطأ: أين هو؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لقد خرجت من مرحلة معينة، حيث كنتَ في محيط مدرسي خاص، ولا شك أن مرحلتك العمرية أيضاً كانت خاصة جدّاً، ولذا اكتسبت خبرات ومعارف معينة في هذه المرحلة، ومن ثم انتقلت إلى مرحلة أخرى، إلى بيئة مخالفة -كما ذكرت- ففي هذه المدرسة الحكومية أصبحت تواجه نوعاً مختلفاً من الطلاب، كما أن مرحلتك العمرية قد اختلفت، وهذه كلها تجارب وعِبَر، أرجو أن لا تستغرب مما أقوله، فالحياة فيها الصالح وفيها الطالح، فيها الخير وفيها الشر، وأنا أؤمن إيماناً قاطعاً من الناحية التربوية، بأن كثيراً مما يحدث للإنسان، فيه خير كثير، بأن يعرف الشر، أو ما هو سيء، حتى يتجنبه.

لا أريدك أبداً أن تنظر إلى نفسك كشخص ناقص الكيان أو ضعيف القدرات، أو لأنك كنت تعيش في محيط مثالي، ثم بعد ذلك انتقلت إلى هذا المحيط، فأصبحت لا تستطيع مواجهته، وأصبحت محاطاً بهؤلاء الأشرار من الطلاب، هذه تجربة، وهذه معركة جديدة من معارك الحياة، فيجب أن تستغلها إيجابياً، وذلك بأن:

أولاً، تحاول أن تكوّن علاقاتك مع الجيدين من الطلاب، وأنا على قناعة كاملة بأنهم موجودون في المدرسة، فليس كل الطلاب بالسوء الذي ذكرته.

ثانياً: أنت ذكرت أن البعض قد يسبون والدك، ويصرخون فيك ويستهزؤون بك، لا أعتقد أن ذلك دون سبب، فحاول أن تتجنب الأسباب التي توقعك وتضعك في مثل هذه المواقف.

وتذكر -أيها الفاضل الكريم- المبدأ القرآني العظيم: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63] قل لهم: سلامًا، وتجنبهم، وحاول أن تكون أريحيًا في فكرك وفي كلامك وفي تواصلك، وأرشدهم، وقل لمن أساء إليك: (سامحك الله، هداك الله)، وهكذا، هذه لغة جديدة وقيم جديدة، تكون أنت قد ساهمت في نشرها، ومن خلال نشرها تكون قد أصلحت الآخرين، هذا هو الوضع المثالي، تعامل مع هؤلاء على حسب النسق الذي ذكرناه لك، وفي نفس الوقت حاول أن تبني علاقات جيدة وفاعلة، مع من تراهم من الأخيار والصالحين من الطلاب.

هذا هو المبدأ الأساسي، والمبدأ الآخر: عليك أن تركز على دراستك، فمن أهم الأشياء أن لا تقع في الخطأ، بأن يكون هؤلاء السبب في انصرافك عن دراستك، وأن تكون من المتميزين، فحينما تكون متميزاً في سلوكك، وفي خلقك، وفي دراستك ومستواك العلمي، لا بد أن هؤلاء الأشرار سيتجنبونك، فضع لنفسك هذه الصورة الجميلة، صورة الطالب المنضبط الملتزم، الطالب المتفوق، ولا شك أنك ستجد أن من أفضل وأصلح الطلاب، سوف يبحثون عنك، وليس هؤلاء.

أنصحك أيضاً بتطوير مهاراتك العامة، المهارات الاجتماعية فيما يخص ممارسة الرياضة الجماعية، التواصل مع الأهل والأرحام، الانخراط في الأنشطة الطلابية والأنشطة الشبابية، هذا كله يطور من مقدراتك في التفاعل مع الآخرين، ويزيل تماماً شعورك بالنقص أو القصور.

لا بد أن تبني صورة إيجابية عن نفسك، فمن أخطر الأشياء أن يبني الإنسان صورة سلبية عن نفسه، كن موضوعياً، وكن منصفاً مع نفسك، انظر إلى مقدراتك، وأنا على ثقة تامة بأنها كثيرة، وحاول أن تطورها.

يمكنك مثلاً أن تتواصل مع إدارة المدرسة، أو مع مجموعة من الطلاب، لتكوين جماعة طلابية، هذه الجماعة يمكن أن نسميها (جماعة مكارم الأخلاق) هنا تكون أنت قد ساهمت في بناء قيم جديدة، فنحن حينما نواجه التصرفات السلبية والسلوكيات غير المتوائمة، وغير المتوافقة، وهذه النزعات السلبية التي قد تظهر من البعض، يجب أن لا نتجنبها فقط، إنما نسعى أيضاً لتصحيحها، وأن نوجه الآخرين من أجل ما هو أفضل بالنسبة لهم.

بالنسبة للمساومات فيما يخص البيع والشراء، فهذا أمر بسيط جدّاً، اذهب إلى الأماكن المحترمة، الأماكن التي لا يكثر فيها الغش، وحينما تأتي إلى مكان ما، انظر إلى السعر المعروض، وبعد ذلك قل للبائع: (أنا أريده بهذا السعر)، وإذا لم يوافق، فابحث عن غيره، فالأمر في قمة البساطة.

التعامل مع الناس كما ذكرت لك يتطلب تطوير المهارات، وتطوير المهارات يعني أن تشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم، وأن تكون في الصلاة في الصف الأول، وأن تحضر حلقات التلاوة والمحاضرات والندوات، وأن تمارس الرياضة، وأن تنخرط في الأعمال الشبابية والطلابية وأعمال البر والخير والإحسان، وأن تتميز أكاديميًا وأخلاقيًا.

هذه هي المفاتيح الرئيسية للبناء الإيجابي للشخصية، وهذا -إن شاء الله- يُشعرك بالرضا عن نفسك، ويكسبك أيضًا رضا الآخرين، وفوق ذلك أسأل الله أن يرضى عنك، وأن يحفظك، وأن يساعدك.

لا أعتقد أنك في حاجة إلى علاج دوائي، فقط أقول لك: ابحث عن القدوة الطيبة، القدوة الحسنة، يجب أن تنظر إلى من تخالل، وأهل الدين هم الأفضل، لا جدال، ولا شك في ذلك.

وختامًا، نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً