الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرتبك كثيرا حينما ألقي كلمة أمام الآخرين، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د. محمد عبد العليم المحترم

بالبداية أقدم شكري وامتناني لكم ولجميع القائمين على هذا الموقع، أنا أعاني من الخجل المفرط جدا، لدرجة أنني مثلا عند إلقاء أي كلمة أمام تجمع من الناس أجد أن كل الذي أريد قوله يمسح من ذاكرتي, وأبدأ بالتلعثم في الكلام والارتباك الواضح؛ لأنني أفقد كل الكلام الذي كنت سأقوله, والحمد لله أنا في مرحلة جيدة من التعليم, ونومي طبيعي، ولكن المشكلة هي الارتباك الواضح عند لقاء الغرباء, وخاصة مثلا عند إلقاء كلام أمام جمهور, أرتبك كثيرا, وبعد ذلك ألوم نفسي، لماذا كنت هكذا؟

أتمنى أن تصف لي العلاج المناسب، ولك مني كل التقدير والاحترام، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الشاعري حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

جزاك الله خيرًا على ثنائك على استشارات إسلام ويب، وثقتك في شخصي الضعيف، وأقول لك: حالتك وحسب ما وصفتها من وجهة نظري لا تمثل علة طبية نفسية سلوكية رئيسية، هذا الذي تعاني هو خجل اجتماعي، لا أعتقد أنه مفرط، هو من الدرجة البسيطة، لكن نسبة لغرابة الحالة وطبيعتها أصبحت تعاني منها؛ لأن الإنسان الذي يعاني من مثل هذه الحالات تكون لديه مفاهيم وأفكار خاطئة حول حالته.

أول هذه المفاهيم الخاطئة هو اعتقاد الإنسان أنه مراقب من قبل الآخرين، وأن أداءه مكشوف ومفضوح أمام الناس، وأنه سوف يفقد السيطرة على الموقف، وأن الكل سوف يستهزئ به (وهكذا). هذا المفهوم -أخي الكريم الفاضل– هو جوهر المشكلة، وهو مفهوم خاطئ جدًّا؛ لأن التجارب أثبتت أن كل الذين يعتقدون أن لديهم قلق المواجهة المصحوب بالإخفاق في الأداء، اتضح أن مشاعرهم طاغية عليهم، لكن أداءهم أفضل كثيرًا مما يتخيلون ويتصورون، فما تحس به من تلعثم وخوف داخلي هو تجربة خاصة بك أنت، وليست واضحة للعيان، هذه يجب أن أؤكدها لك.

النقطة الثانية: الإنسان يحتاج لشيء من القلق حتى تتحرك طاقاته النفسية والفسيولوجية والجسدية، تتحرك تحركًا يفيده وينفعه ويحسن من أدائه، القلق هو شعلة الاشتعال التي لابد منها ليؤدي الإنسان أي مهمة يريد أن يؤديها، وعند المواجهات يتحفز الجسم –هذا الجهاز العصبي والنفسي بكل أجزائه– وتحدث تغيرات فسيولوجية في الجسم، الجهاز العصبي اللاإرادي أو (السمبثاوي) هو الجزء الموكل إليه في جسم الإنسان للتحكم في هذه المواقف، ولذا ينتج إفراز كبير لمادة تسمى (أدرينالين) هذه المادة مهمتها أن تزيد من تدفق الدم وانقباضات القلب ودفعه للدم، وجعل كل أجهزة الجسم –خاصة العصبية– في حالة استعداد، هذه القوة الفسيولوجية العظيمة والمفيدة للإنسان قد تزيد من معدلها الطبيعي، لذا يشعر بعض الناس بالخوف، لكن أؤكد لك أن التجربة تجربة داخلية خاصة.

أنت -إن شاء الله تعالى– بخير، وأريدك أن تصحح مفاهيمك عن نفسك، صورتك الاجتماعية محترمة، وأداؤك أمام الآخرين ممتاز، وأنصحك أن تُكثر من الأداء، من المواجهة، وأفضل علاج للخوف الاجتماعي هو الإصرار على كسره وتحقيره من خلال التعريض والاستمرار في التعرض للمواقف الاجتماعية، وأن تفهم أن القلق الأولي هو طاقة محفزة ومهمة للأداء الممتاز، وما يأتيك من شعور أن ذاكرتك قد أصبحت خاوية وليس هنالك ما تقوله هذا ليس صحيحًا، الأفكار موجودة مخزنة، المقدرات الفكرية سليمة، فقط التشويش يأتي من الانفعال التحضري الذي يحدث عند بداية اللقاء.

الإكثار من اللقاءات الاجتماعية والتعرض الاجتماعي يؤدي إلى ما نسميه بالتحصين التدريجي، ونقصد بذلك التحصين من الخوف، وحين يكون التحصين تدريجيًا يكون أفضل وأقوم وأقوى وأدوم -إن شاء الله تعالى-.

نصيحتي الأخرى لك هي أن تتدرب على تمارين الاسترخاء، هي تمارين مفيدة جدًّا لعلاج قلق الرهاب الاجتماعي، موقعنا لديه استشارة تحت رقم (2136015) أرجو أن ترجع إليها، وسوف تجد فيها فائدة كبيرة جدًّا، وأنصحك أيضًا بالانخراط في أنشطة اجتماعية مختلفة، مثل الرياضة الجماعية، تلاوة القرآن مع مجموعة، الحرص على صلاة الجماعة في الصف الأول، هذا كله يساعدك.

بالنسبة للعلاجات الدوائية: أبشرك أنه توجد أدوية ممتازة جدًّا، وأنا أرشح عقارا يعرف علميًا باسم (سيرترالين) وله مسميات تجارية كثيرة منها (زولفت) و(لسترال) وربما له مسميات تجارية أخرى في العراق، أرجو أن تبدأ في تناول هذا الدواء بجرعة نصف حبة –أي 25 مليجرامًا– تناولها ليلاً لمدة أسبوعين، ثم اجعلها حبة كاملة لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء، هو دواء مفيد وفاعل وممتاز، وأسأل الله أن ينفعك به، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ألمانيا عزه عثمان

    مشكور كتير يا دكتور نفس الحاله يلي عندي بس بعد ها الكلام احس اني راح اتحسن الله يعافيك

  • ألمانيا ابراهيم محمد طه

    شكرا جزيلا و بارك الله فيكم نصائح مهمة سأسعى لتطبيقها بإذن الله

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً