الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من فقدان الثقة بالنفس، فهل هي مجرد مرحلة وتمر بسلام؟

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
أرجو قراءة مشكلتي بإمعان من فضلكم.

عمري 19عاماً. ما أعاني منه هو بصراحة قلة ثقة بالنفس، أو بمعنى أصح المراقبة والاهتمام بما يراني عليه الناس.

أنا أعرف أسباب هذه المشكلة, حيث أنني كنت في أول سنة في دراستي الجامعية شاباً واثقاً، أو بمعنى أصح لم أعاني مما أعاني منه الآن.

كنت أشارك كثيراً في الصف، وأذهب كثيرا إلى الدكاترة لسؤالهم, حيث أنهم كانوا لا يشرحون بشكل كاف، ويتأففون من أي سؤال, كبرت المشكلة حتى أنني أصبحت كلما أريد أن أقابلهم لأسألهم أحرج وأتعرق، وأصبحت أهتم بنظرة الطلاب لي في الجامعة، وأشعر أن كل الناس تنظر إلي، وأهتم بوضع يدي أثناء المحاضرة، وإذا أردت أن أتكلم أي كلمة أثناء المحاضرة كنت أحرج جدا وأتعرق.

الجامعة ليست في نفس منطقتي، فأنا أسكن بقرية خارج المدينة، لذلك كنت بحكم الغريب، انتهت تلك السنة بخيرها وشرها، وحصلت على درجات عالية –والحمد لله-، ودخلت التخصص الذي أريده.

في بداية السنة الثانية كانت سلوكياتي كالآتي:
- أشعر بصعوبة في التواصل مع زملائي، في أول السنة كنت أركن سيارتي بعيدا عنهم جدا، ثم تدريجيا أصبحت أركنها قريبا منهم، ولكن ليس في نفس الموقف.

- لا أخرج معهم في نزهاتهم؛ لأن حالتي المادية محدودة ومغترب، وكثيرا ما آخذ من أهلي بعض المال إذا لم تسد حاجتي المكافأة.

- أنا أقصر طالب في الدفعة، وأحس بنقص في شكلي، مع أنني لست قبيحاً بل وسيما، ولكن وزني زائد قليلا فقط وقصير.

- إذا وقعت محادثة ولو بسيطة بين أحد زملائي أقول بعد أن أرجع إلى المنزل: لو قلت كذا أو فعلت كذا لكان أفضل, وإذا تحدث أحدهم معي كلاما ودودا لطيفا أحس أنه تفضل علي.

- أصبحت حياتي في النهار في الجامعة, وحين أرجع إلى المنزل أنام، وحين أستيقظ يدور في ذهني ما فعلته في ذلك اليوم.

- أحس وبصراحة أنني وحيد، ليس لدي صديق من بين زملائي.

- أنا أكره الغش، ولا أغش في الامتحان، ولا أساعد أحدا في الغش؛ مما يزيد من كراهية زملائي لي.

- وتطور الأمر أنني في هذا اليوم عندما اجتمعت مع أقاربي الذين كنت آخذ راحتي في الحديث معهم، وأقول أي كلمة أريدها معهم وبلا مقدمات, أنني أصبحت أعاني من نفس الحالة التي كنت فيها في الجامعة, أحس أنهم ينظرون إلي، وأحس أيضاً أنهم يعتبروني شخصاً أقل منهم، رغم أنني أفضل منهم، وأحسن منهم وأنا أعلم ذلك، وأصبحت أيضاً أخشى مما يقوله الناس عني.

- أنا في مقدمة مرحلة جديدة، وهي الخطوبة والزواج وبناء الأسرة والمنزل، ولا أريد بصراحة أن تدوم هذه المشكلة معي، فأنا أريد أن أكون أباً ناجحاً وزوجاً ناجحاً -إن شاء الله-.

هل هذه الحالة مجرد تطور نفسي أمر به؟

ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.

حساسيتك الزائدة ربما ترجع إلى نقصان الثقة بالنفس، وإلى التصور غير الواقعي للأحداث والمواقف التي تحدث بينك وبين الآخرين.

أولاً: أخي الكريم نقول لك: لكل مقام مقال، أحياناً بعض المواقف تتطلب الجدية والحزم، وبعضها يتطلب روح الفكاهة واللين، فممارسة المزاح باستمرار قد يفقد الشخص هيبته ومكانته، والجدية باستمرار قد تشعر الآخرين بالملل؛ لذلك انظر إلى طبيعة الموقف وتصرف وفقاً لذلك فستجد -إن شاء الله- الاحترام والتقدير ممن تجالس، ولا تحتاج إلى مراجعة نفسك بعد فوات الموقف.

مشكلة تجنب الآخرين وعدم الاحتكاك بهم لا بد من التفكير في حلها بالطرق الواقعية، وأولها: المواجهة وعدم الانسحاب والتعذر بأسباب واهية، فحاول رفع شعار مفاده التحدي والاقتحام بالزيارات المتكررة للأهل والأصدقاء، وإجابة الدعوات، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية تكسبك مهارات التعامل مع الآخرين.

فالإنسان يتعلم بالممارسة والتدريب شيئاً فشيئا، في البداية تعلم كيفية المحادثة مع الآخرين بالاستماع الجيد لما يقولونه، ثم كيفية إلقاء الأسئلة بالصورة المبسطة، والاستفسار بطريقة فيها احترام وتقدير للشخص الآخر، وإظهار الإعجاب والتعليق على حديثهم ومقتنياتهم بالطريقة التي يحبونها.

وإذا أتيحت لك الفرصة للتحدث عن نفسك اغتنمها ولا تتردد، بل انتهج نهج المبادأة، وكن أول من يبدأ دائماً بالتعريف أو الحديث عن النفس.

حاول الاستمرار في الحديث بسرد بعض الحقائق العلمية أو الدينية أو القصص الممتعة التي تجذب مستمعك وتجعله يتفاعل معك بصورة إيجابية.

ثانياً: قم بتعديد صفاتك الإيجابية وإنجازاتك في الحياة اليومية، وحبذا لو كتبتها وقرأتها يومياً، فأنت محتاج لمن يعكس لك صفاتك الإيجابية ويدعمها ويثني عليها. والمفترض أن يقوم بهذا الدور الوالدان أو الإخوان أو الأصدقاء.

ثالثاً: لا تقارن نفسك بمن هم أعلى منك في أمور الدنيا، بل انظر إلى من هم أقل منك، واحمد الله على نعمه، وتذكر أنك مؤهل للمهام التي تؤديها.

رابعاً: عدم تضخيم فكرة الخطأ وإعطائها حجماً أكبر من حجمها، فكل ابن آدم خطاء، وجلّ من لا يخطئ، وينبغي أن تتذكر أن العلم يزيد بكثرة السؤال، فاختر الأوقات المناسبة للسؤال وقدمه بعد الاستئذان من الأستاذ.

خامساً: تجنب الصفات الست التي تؤدي للشعور بالنقص وهي: الرغبة في بلوغ الكمال – سرعة التسليم بالهزيمة – التأثير السلبي بنجاح الآخرين – التلهف إلى الحب والعطف – الحساسية الفائقة – افتقاد روح الفكاهة.

سادساً: اعرض أفكارك وآرائك ومقترحاتك على الآخرين الذين تثق بهم وناقشهم فيما عندهم من الأفكار والآراء.

سابعاً: تذكر أن المقياس الحقيقي للفرد ليس في شكله الظاهري وإنما بدينه وبعلمه وأخلاقه.

نسأل الله لك التوفيق والرفعة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً