الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أستطيع مصارحة من تقدم لي بعلاقتي السابقة..ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أبلغ من العمر 21 سنة؛ كنت على علاقة بشاب يكبرني بسنة واحدة، دامت هذه العلاقة 4 سنوات -أسأل الله أن يغفر لي ويسامحني عن ما فعلت من تجاوزات-، وأحمد الله أن أنار لي طريق الهداية قبل أن أقع في المحظور.

بعد توبتي لله -عز وجل- اتضح لي أنني لم أعد أكن لهذا الشاب أي مودة أو احترام، بل صرت أكرهه لما جعلني أقدم على فعله، فهو شاب غير ملتزم ولا يملك وظيفة، ويطلب مني أن أقوم بأشياء تغضب الله؛ بحجة أننا سنتزوج فور حصوله على الوظيفة، ولم ينكر حبه وتعلقه الشديد بي، فهو حب في غير طاعة الله، ولن أقبل به بعد الآن.

بعد فترة وجيزة تقدم لخطبتي شاب ملتزم، خلوق يكبرني بست سنوات، ميسور، ويشهد له الناس بالوقار والعفة والالتزام، كما أنني ارتحت له ووالدي أيضاً، ولكن المشكلة أنني أحس بتأنيب الضمير إن وافقت على الزواج به؛ لأنني لا أستطيع مصارحته بما مررت به، فهل يجوز لي الزواج به رغم كل هذا؟ لأني بدأت صفحة جديدة، ولا يوجد في قلبي أي ودٍ تجاه الشاب الأول؟ وهل أنا ملزمة بانتظار الشاب الأول والوفاء له؟ وكيف لي أن أكفر عن ذنبي؟

وبما أنني لا أستطيع الزواج بالشاب الأول لأنني لم أعد أرَ فيه صفات الزوج الصالح الذي يعينني على أمور ديني، فهل أرفض الزواج بتاتاً حتى لا أتحمل ذنب أي رجل؟

أرجوكم أنا مذنبة وتائهة ساعدوني كيف أكفر عن ذنوبي؟ وما هو الفعل الصحيح؟

أعتذر عن ركاكة التعبير، وأسأل الله لي ولكم السداد والمغفرة.

وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على تواصلك معنا -والحمد لله- الذي هداك ووفقك إلى طريق الخير والصلاح.

ويمكن أن أجيب على أسئلتك على النحو التالي:

أما سؤالك الذي جاء فيه فهل يجوز لي الزواج به رغم كل هذا؛ لأني بدأت صفة جديدة ولا يوجد في قلبي أي ود تجاه الشاب الأول؟
الجواب: إذا كان الشاب الثاني كما ذكرتِ أنه متدين، وأن أهلك وافقوا عليه؛ فعلى هذا ينبغي أن تقبلي به زوجًا لك ولا تترددي في ذلك، والذي حدث في الماضي ينبغي نسيانه، فهو أمر حدث في الماضي وتذكره في الحاضر لا يفيد شيئًا، ولا ينبغي أن يعلم الخاطب بما حدث، ولا يُخبر بذلك مطلقًا.

أما سؤالك "هل أنا ملزمة بانتظار الشاب الأول والوفاء بوعدي له"؟
الجواب: لست ملزمة لا شرعًا ولا عقلًا بانتظاره، وانتظاره ليس من الوفاء بل على العكس تماما عليك وجوبا كواجب شرعي قطع العلاقة معه؛ لأنها كانت علاقة محرمة، ويجب إخراجه من دائرة التفكير والاهتمام؛ لأنه -كما ذكرتِ- شاب غير متدين وكاد أن يوقعك في الحرام.

أما سؤالك: كيف لي أن أكفر عن ذنبي؟ وكذلك السؤال أرجوكم أنا مذنبة وتائهة ساعدوني كيف أكفر عن ذنوبي؟

الجواب: اعلمي يقينا أن الله يقبل من جاء إليه تائبًا، وعفو الله أعظم من كل ذنوب الإنسان مهما كثرت، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

والله يقبل من جاء إليه تائبًا مصلحًا من حاله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فإذا تبتِ إلى -الله تعالى- توبة خالصة لله صادقة، وقررتِ قرارًا جازمًا أن لا تعودي لهذا الذنب مرة أخرى، فقد مُحي عنك الذنب -بإذن الله تعالى- وكنت كمن لم يذنب تمامًا، فأبشري بعفو الله وفضله قال تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فأولئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

ولعل تقدم الذي جاء لخطبتك وهو متدين أن ذلك علامة على أن الله قبل توبتك وأراد بك خيرًا بالزواج منه.

ومن المعلوم شرعًا أنه ليس هناك كفارة محددة لمن وقع بمثل هذا الذنب، ولكن أكثري من الأعمال الصالحة، والاستغفار -وفقك الله-.

أما سؤالك الذي جاء فيه: بما أنني لا أستطيع الزواج بالشاب الأول؛ لأنني لم أعد أرَ فيه الزوج الصالح الذي يعينني على أمور ديني فهل أرفض الزواج بتاتًا حتى لا أتحمل ذنب أي رجل؟
الجواب: بما أن الشاب الأول كان إنسانًا منحرفًا، وكان لا يريد خيرًا لك، وقد قررتِ تركه فهذا هو عين الصواب، -والحمد لله- الذي وفقك وأعانك على ذلك.

وأما أنك لن تتزوجي بحجة أن لا تتحملي ذنب رجل آخر، فهذا الذي طرأ عليك من التفكير هو من مداخل الشيطان على نفسك؛ لأنه يريد أن يصدك عن الزواج المشروع بحجة أنك واقعة في الإثم. ولا ينبغي الاستمرار في هذا التفكير، بل يجب الخلاص منه، فالإثم يزول بالتوبة؛ فإذا تبتِ مُحي الذنب -بإذن الله-، ومما يعين على التوبة الزواج برجل متدين، وإذا تزوجتِ فقد ارتبطتِ برجلٍ بطريق مشروع، وليس عليك أي إثم أو حرج.

أما سؤالك ما هو الصحيح لفعله؟
الجواب: فإن ذلك الشاب الذي تعرفتِ عليه وحصل ما حصل منه من تجاوزات، فلا شك أن فعله معك كان علاقة محرمة؛ لأنه كان يريد أن يوقعك بالحرام وحصل بينك وبينه الخلوة المحرمة وغير ذلك مما ذكرتِ في طلب الاستشارة.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" رواه البخاري. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان " رواه أحمد، وصححه الألباني في -صحيح الجامع برقم 2546-.

وفقك الله إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً