الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أني قصرت في خدمة أمي، فكيف أبرها بعد موتها؟

السؤال

كيف أبر أمي بعد موتها، وكيف أصلح من أي تقصير قصرته في حقها؟ وخصوصاً أني كنت في آخر مرضها أخدمها وأنا متعبة، وأحس أني مقصرة في حقها في كثير من الأوقات، فكنت أغضب أمامها، وأتخاصم معها، وأصطلح معها في نفس الوقت.

كان قلبي يظل يتألم من غضبها، وفي أوقات أكثر كنت أرضيها وأضحكها وأبرها، وأعاملها بما تحب في نفسها، وأجلب لها ما تحب.

كيف لي أن أبرها بعد موتها؟ وهل بري بخالتها بر لها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شروق حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن بر الوالدين من أجل العبادات، ومن أعظم القربات، قال الله جل في علاه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله).

نحسب من كلامك في الاستشارة أنك كنت بارة بها، ولكن كانت هناك ثغرات تودين ترميمها بالبر بها بعد وفاتها، وهذا من رحمة الله بعباده، وعظمة دين الإسلام.

البر للوالدين بعد وفاتهما له عدة وسائل: منها الدعاء لهما والاستغفار، والتودد لأصدقائهما وصلة رحمهما، فعن أبي أسيد الساعدي قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبويَّ شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: (نعم؛ الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما).

كما ثبت في الحديث الصحيح في مسند أحمد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَنَّى لِي هَذِهِ؟! فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ).

من الصور أيضاً المشروعة هي إخراج صدقة جارية عنهما، فعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: (أنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهو غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شيءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ به عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا).

كذلك يجب قضاء جميع ديونها المالية والتعبدية، من نذر أو صيام، وقد ثبت قوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه)، فإن كان عليها صوم أو نذر فلتقضه عنها، وإن كان عليها ديون فاقض ذلك عنها أيضاً.

أما البر بالخالة فهي بمنزلة الأم، وبرها نصح به النبي صلى الله عليه وسلم من ليس له أم، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَبِرَّهَا)، وبرها فيه امتثال لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن برها يدخل في جملة وصل أرحام والدتك، فبرها بالتأكيد بر لأمك، وخالة الأم بمنزلة الخالة.

وفقكم الله لما فيه الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً