الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حياتنا أنا وزوجي متعسرة...هل بسبب العين والحسد؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا امرأة متزوجة منذ نحو خمس سنوات، وقبل زواجي تقدم لي الكثير من الخطاب، ولم يتم الأمر، فأشار علي بعض الناس بقراءة سورة البقرة والرقية الشرعية؛ لأنهم كانوا يظنون بأني مصابة بالحسد من زوجة عمي وابن عمي، لأنه كان يرغب بالزواج مني، وأنا لا أريده.

بعدها قرأت سورة البقرة، والرقية الشرعية يومياً، وبأقل من شهر تمت خطبتي، وعقد قراني على زوجي الحالي، وتوقفت حينها عن قراءة سورة البقرة والرقية، ولكني أشعر أن حياتي متعسرة مع زوجي.

علماً بأن العلاقة بيننا طيبة و-لله الحمد- ولكن منذ فترة خطبتنا ونحن متعسرون مادياً، وبعد زواجي بأربعة أشهر سجن، وأنا تحملت وصبرت، وبقيت معه، وبعد خروجه من السجن حاولنا الإنجاب ولكن تأخر الموضوع، وكان عندي مشاكل في قنوات الرحم وعالجتها.

زوجي كان عنده دوالي الخصية، وتم عمل جراحة لإزالتها، والآن مر عليها عشرة أشهر ولم يتم الحمل، بالإضافة إلى أن وضع زوجي في عمله لم يكن جيداً، والآن فقد عمله، ولا يستطيع إيجاد عمل، لأن عليه حكما، وليس لدينا رأس مال لبدء مشروع، وأحس أن حياتنا متعسرة من جميع الجوانب، مع أني ملتزمة بالصلاة والأذكار والاستغفار والدعاء.

أنا الآن في حيرة من أمري، هل أترك زوجي، أم هل من الممكن أن يكون هذا بسبب الحسد أو العين، أم هو مجرد ابتلاء من الله؟ وماذا أفعل حتى يدفع الله عني هذا البلاء؟ أحاول الصبر واحتساب الأجر عند الله ما استطعت، ولكن أحياناً تغلبني نفسي، وأحس بأني ساخطة ثم أتوب وأستغفر، ما الحل؟ أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يصرف عنكم ما أصابكم، وأن يعوضكم خيراً، وأن يصلح حال زوجك، إنه جواد كريم.

أختنا الفاضلة: دعينا ابتداءً نحدد الأسئلة ونضعها في نصابها حتى لا تختلط الأمور؛ فطريقة سؤالك تدل على ارتباك باد وواضح حتى في عرض السؤال، نسأل الله أن يزيل ما أهمك.

1- هل أترك زوجي؟
2- هل يمكن أن يكون سحراً أو حسداً أو عيناً؟
3- هل هذا ابتلاء من الله؟
4- لماذا تضعف نفسي أحياناً؟

أولاً: مسألة ترك الزوج لأجل عارض وقع فيه الزوج، مع عدم قدرة الزوجة على التحمل جزء من حقها، يكفله الشارع لها، ولكن هذا يحتاج -حتى لا نندم بعد ذلك- إلى عدة أمور:

1- الوصول إلى قناعة تامة باستحالة العشرة، وهذا يحتاج منك إلى وضع مميزات زوجك بجوار سلبياته، والنظر إليها نظرةً منصفةً بعيدةً عن العواطف.

2- أن تتصوري حياة المرأة بعد الطلاق أو الخلع: وهل سيكون الأمر أفضل أم أسوأ؟ ويمكنك معرفة ذلك بالنظر إلى حياة المطلقات بعيداً عن المثالية، فأغلب من تطلق تظن أنها ستعيش عمرها بلا زوج، لكنها وبعد أشهر تدرك استحالة ذلك، والبعض الآخر تتوهم أنها بمجرد الطلاق سيتقدم لها الكثير، ثم تدرك بعد سنوات أن هذا عسير، وحتى لا تكوني بين الأمرين، لا بد من تصور كامل لحالك اليوم وحالك بعد الطلاق لا قدر الله.

3- عدم التعجل في أمر الطلاق إلا بعد استشارة الأهل، وخاصة أهل الحكمة والعقل منهم، ومن يقدمون مصلحتك على مصلحتهم، ويمكن كذلك استشارة أحد من العلماء الثقات.

بعد هذا يمكنك أخذ القرار بالوقوف بجوار الزوج ومساعدته، والاجتهاد في تغيير حاله، أو الانصراف عنه.

2- هل يمكن أن يكون سحراً أو حسداً أو عيناً؟
وارد -أختنا الكريمة-؛ فالحسد والعين حق لا مراء فيه، ويمكننا معالجة هذا الأمر كما عالجت الأمر الذي قبله، بحيث لا يكلفكم شيئاً، ولا يرهقكم من أمركم عسراً.

نحن ننصحك بالرقية الشرعية على نفسك، وزوجك يرقي نفسه، وأفضل الرقية سورة الفاتحة، وسورة البقرة، والمعوذات، وقل هو الله أحد، وستجدينها مطولةً على موقعنا، المهم أن تحافظي عليها، مع الاستمرار على الطاعة، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم.

3- هل يمكن أن يكون ابتلاءً؟
اعلمي -أيتها الفاضلة- أنه ما من أحد إلا وهو مبتلى، والابتلاء يتفاوت من شخص لآخر، لكن كل فرد يظن بأن بلاءه الأعظم والأشد، ولو اطلع على المستشفى والسجون والمهجرين من ديارهم بسبب الحروب؛ لعلم أنه في نعيم بالنسبة لهم.

لكن إن كان هذا ابتلاءً، فكيف يقع وأنت تصلين وتعبدين ربك وتذكرين؟ هذا ظاهر حديثك، فلقد ظننت أن أهل المعاصي فقط هم من يبتلون، وهذا خطأ؛ فأشد الناس بلاءً هم أنبياء الله تعالى، وكلما عظم مقام العبد عند ربه كلما اشتد بلاؤه وارتفعت درجته.

قد سئل الشيخ ابن باز: إذا ابتلي أحد بمرض، أو بلاء سيئ في النفس أو المال، فكيف يعرف أن ذلك الابتلاء امتحان أو غضب من عند الله؟ فأجاب: إن الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء، وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم لرفع درجاتهم، وإعلاء ذكرهم، ومضاعفة حسناتهم، كما يفعل بالأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، والصلحاء من عباد الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل).

تارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب، فتكون العقوبة معجلةً؛ كما قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. الغالب على الإنسان التقصير، وعدم القيام بالواجب، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها، فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل، ورفعة في الدرجات وتعظيماً للأجور، وليكون قدوةً لغيره في الصبر والاحتساب.

الحاصل أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات وإعظام الأجور، كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار، وقد يكون لتكفير السيئات؛ كما في قوله تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب المسلم من هم ولا غم، ولا نصب ولا وصب، ولا حزن ولا أذى، إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيراً يصب منه). قد يكون ذلك عقوبةً معجلةً بسبب المعاصي، وعدم المبادرة للتوبة؛ كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة) خرجه الترمذي وحسنه .اهـ. من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله.

اعلمي أن نفسك تضعف -أختنا لسببين:
1- غياب المفاهيم عنك، وقد جليناها في هذه الاستشارة.
2- طبيعة النفس البشرية تقوى حين يقوى تدينها، وتضعف بضعفه.

احرصي -أختنا- على التقرب أكثر إلى الله، واجتهدي مع زوجك في الأخذ بكل الأسباب، واعلمي أن اليسر مع العسر، وأن فرج الله قريب، وأنكم مع هذا أفضل بكثير من غيركم.

نسأل الله أن يفرج عنكم، وأن يرعاكم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً