الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قسوة أبي دفعتني لكرهه وكره الناس رغم البحث عن رضاهم!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 16 سنة، وقد تراكمت علي الأمراض النفسية فوق بعضها بشكل متوالٍ، (وسواس قهري، قلق نفسي، وإرضاء الناس)، وأصبح همي إرضاء الناس وإسعادهم هو محور حياتي، وصدقوني لو قلت: إن قدمتم لي ألف نصيحة سيبقى محور دنياي هو أن يحبني الناس، فقد قاومت نفسي في العديد من المرات، ولم أستطع أن أعيش بحرية.

أبي مصدر غضبي وتعاستي، فقط عند رؤيته أذكر ذكرى أليمة لا أستطع نسيانها منذ أن كنت صغيرًا، فقد كان يضربني كثيرًا هو وأخي الكبير، خصوصًا أخي هذا، وكان يستفزني ويهددني ويضربني كثيرًا.

حياتي لم تعد ملكي، فقد كان أبي وأخي الكبير لا يدعاني أذهب إلى المدرسة دون التدخل في أمر ملابسي، وفي نفس الوقت أنا أحب أخي الكبير، لأننا تحملنا معًا جنون أبي وعصبيته وغضبه.

أنا أكره أبي كرهًا شديدًا، ولا أستطيع تمنّي موته، ليس خوفًا من الله، إنما لأنه لو مات لن نجد مصدرًا للعيش، فهو متقاعد وبلغ سن المعاش، ودائمًا جالس في البيت، ولأجل نسيانه أضطر لمشاهدة الأفلام الإباحية.

اعتدت على أمراضي النفسية، ولا أستطيع أن أصبح شخصًا سليمًا، ومستوى ذكائي عالٍ، وبعض الأمور إذا توقعتها تحدث كما أتوقعها، وأسوأ شيء أني أخاف من الناس خوفًا شديدًا.

أستيقظ أحيانًا على جنابة، ولأن أبي يتدخل في جميع شؤوني فلا أستطيع الاغتسال، ولا أستطيع أن أخبره، لأني أعلم أنه شخص غير قابل للحوار، فأضطر أن أبقى على نجاسة في فصل الشتاء لأيامٍ، وربما لأسابيع.

سئمت الدنيا (والله)، لا أذكر يومًا كنت سعيدًا فيه، وعندما أرى حفل زفاف -أو أي حفلٍ فيه سعداء- أو شخصاً سعيداً على الإنترنت، أشعر بالحقد بداخلي، وأتمنى الموت لهم جميعًا، وصرت أكره البشر جميعًا كرهًا شديدًا، رغم أني أحاول إرضاءهم.

أملك دراجة هوائية قديمة الطراز، كنت أخاف جدًّا من أن يراها أصدقائي وأنا أذهب بها إلى المدرسة، وأحب الأشياء إلى قلبي ومفتاح سعادتي هي العزلة والوحدة، وأحب أن أكون وحيدًا، لا أحد يستطيع الحديث معي، وأحياناً حينما أكون في غرفتي أتحدث وحدي مع نفسي، وأخلق أحيانًا سيناريوهات في رأسي لأشعر بالسعادة، وهذا ما يعرف بأحلام اليقظة.

أرجو مساعدتكم في حالتي هذه، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ haithem حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك دوام الصحة والعافية.

أولاً: الحمد لله أنك تفهمت مشكلتك وسعيت في حلِّها باللجوء إلى موقع استشارات إسلام ويب، وهذه تعتبر خطوة أولى في حل المشكلة إن شاء الله تعالى.

ثانيًا: ما مررت به من امتحانات واختبارات بشأن طريقة الوالد في التعامل يُعتبر ابتلاءً، وبالصبر عليه سيعوضك الله ويجزيك خير الجزاء؛ لأن الولد مأمور بطاعة والديه إلَّا في حالة الشرك بالله، أو في حالة معصيته، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ثالثًا: إذا كان محور اهتمامك هو أن يحبك الناس، فكن ساعيًا أولاً في أن يحبك الله، فإذا أحبك الله تعالى أحبك الناس، وذلك بفعل الطاعات والإكثار من النوافل، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)، وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}. هذا أولاً.

ثانيًا: تجنّب المنكرات، وكن آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر.

ثالثًا: كن مسامحًا للناس إذا أخطؤوا، وكن مبادرًا بالاعتذار إذا أخطأتَ.

رابعًا: موضوع المكوث بالنجاسة وعدم التطهر منها بسبب الخوف من الوالد قد يعرضك لمشاكل أخرى صحيّة وروحية، وقد تكون عرضة لشرِّ شياطين الإنس والجن، وهذا أمرٌ طبيعي، أي موضوع الجنابة يُعتبر أمرًا طبيعيًّا، والوالد يعلمه تمامًا، ويعلم أنك في مرحلة مراهقة فيها تغيُّرات كثيرة تحدث للجسم، والاحتلام من ظواهر هذه المرحلة.

خامسًا: الخوف من تعليقات الناس بخصوص استعمال الدرّاجة القديمة ليس عيبًا، فالمرء عليه أن يهتمّ بالجوهر وليس بالمظهر، بل اجعل ذلك نوعًا من الاعتزاز الشخصي بالواقع الذي تعيشه.

وختامًا: كل هذه المشاكل التي تمر بها اجعلها دافعًا لك للتغيير، ولتحسين وضعك الحالي إلى الأفضل والأحسن، والآن يُعتبر الطريق الذي تسلكه في الدراسة وطلب العلم هو أداة التغيير المنشود، وهناك الكثير من الناس كانوا مثلك، ولكن تغيّرت أوضاعهم بعد أن عزموا على المواصلة في الاجتهاد، وعلى المثابرة، وعلى وضع الأهداف السامية، فكان ما طمحوا إليه، فأنت لا زلت في بداية العمر، وإن شاء الله سيكون لك مستقبل باهر بسبب المعاناة التي عانيتها، وإن شاء الله ستكون لك حافزًا على التقدُّم وعلى الارتقاء في مجال العلم والمعرفة، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً