الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أدعو على خالتي لظلمها وإساءتها لي، فهل فعلي صحيح؟

السؤال

السلام عليكم.

لدي مشكلة مع خالتي (أخت أمي)، هي تكرهني بشدة، كما أنها كانت تلحق بي الأذى نفسيًا في صغري بكلامها الفاحش.

الآن أنا متزوجة، وأعيش بجانبها في بلد أوروبي، وآخر مرة قمت بزيارتها أنا وطفلي، وقد كان طفلي كثير الحركة، فقامت بطردي، وشتمي بكل الألفاظ القذرة، ولم أرد عليها نهائيًا، واكتفيت بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله! لقد شعرت بالقهر، والظلم، وبكيت بسببها بكاءً شديدًا، لقد أصبحت أدعو عليها في قيام الليل.

هي إنسانة قبيحة من الداخل؛ حقودة، وحسودة، ولا تتمنى الخير لأحد، وبذيئة اللسان، وكل العائلة تتجنبها، ولكنني لم أتوقع منها الطرد، والقذف، والسب، كما أنها أخبرتي بأن لا أكلمها طوال حياتي.

أنا أعاني منها منذ زواجي، أي منذ خمس سنوات، وعندما أسألها عن سبب مقاطعتها لي يكون ردها تافهًا: وهو أن زوجي لماذا لم يسلم عليها؟ أو أنها تختلق سببًا غير حقيقي.

لقد حاولت أن أسامحها، ولكن صبري نفد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Johanna حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -بنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك التواصل، وحسن العرض للسؤال، وإنما شفاء العيّ السؤال، وأرجو أن تعلمي أن الخالة أُمّ، وأن الصبر عليها مطلب شرعي، وأن الإنسان ينال بالصبر ما يُريد.

ألا بالصبر تبلغ ما تريدُ .. وبالتقوى يلين لك الحديدُ

فاستمري في الصبر على هذه الخالة، وإذا لم يصبر الإنسان على خالته فعلى مَن يكون الصبر؟

إذا كانت الخالة بالصفة التي ذكرتِها، وعلاقتها سيئة مع جميع الناس؛ فأنت لن تكوني استثناءً من هذه القاعدة، لذلك في هذه الأحوال اجتهدي في تفادي ما يُزعجها، واجتهدي في أن تكون العلاقة في الحدود المعقولة البسيطة، يعني: السؤال عن الحال، ومباركة العيد، السؤال عنها في رمضان، والسؤال عنها إذا مرضت، والإنسان يجتهد في أن تكون العلاقة في هذه الحدود؛ لأن التعمُّق في زيارتها، والذهاب بالطفل إليها، وغير ذلك، هذا قد يجلب مزيدًا من المشاكل.

ونتمنَّى أن تُوقفي الدعاء عليها، بل اجعلي دعاءك لها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لأن يهدي الله بك رجلاً –طبعًا: أو امرأةً– خيرٌ لك من حُمْر النِّعم) فكيف إذا كانت المرأة هي هذه الخالة؟! والإنسان يتوجّه إلى الله تبارك وتعالى.

اعلمي أن الإنسان يُخرجُ ما عنده، فإذا كانت هي بذيئة اللسان معك، ومع كل الناس، فماذا ننتظر؟ ليس معنى هذا أننا نؤيدها أو نوافقها، لكن في مثل هذه الأحوال نحن بحاجة إلى المداراة، والمداراة هي أن نعامل كل إنسان بما يقتضيه حاله، فعليه نوصيك بالدعاء لها، وليس الدعاء عليها.

الأمر الثاني: معرفة الأمور التي تُغضبها لتتجنّبيها.
الأمر الثالث: جعل العلاقة سطحية.
الأمر الرابع: عدم إعطائها الفرصة في إزعاجك؛ بأن تحافظي أنت على اتزانك، وعلى لسانك، وعلى تعاملك الجيد معها.

الأمر الخامس: ينبغي أيضًا ألَّا تهتمّي أو تغتمّي بالكلام الذي تقوله؛ فإذا كانت علاقتها مع الناس، بما فيهم الوالدة -التي هي أختها– سيئة، فالناس إذًا يعرفون ما هي عليه، فلا تُبالي بالكلام الذي يصدر منها، وإذا ذكّرك الشيطان بما حصل فتعوذي بالله من الشيطان، واعلمي أن العيب ليس عليك، ولكن عليها هي، فأرجو ألَّا تقفي طويلاً أمام هذا الموقف، الذي هو أصلاً متوقع من إنسانة تُسيء للناس، وتُسيء إليك، فالإنسان في مثل هذه الأحوال يعطي المشكلة حجمها المناسب.

ونحن قطعًا لا نوافق على ما يحدث منها، لكن الإنسان حتى لو كان عنده قريب صاحب رحم فيه حسد، فينبغي أن يعامله بالدعاء، وبالمعاملة اللطيفة، وبالإحسان، رغبةً في ما عند الله تبارك وتعالى. واعلمي أنه ليس الواصل بالمكافئ، ولكنَّ الواصل مَن إذا قُطعت رحمه وصلها، فكوني أنت دائمًا الأفضل، واعلمي أن الله قال لنبيه: {خذ العفو وأْمُرْ بالعُرف وأعرض عن الجاهلين}، كأن الله يطلب من نبيه ومِنَّا أن نصل مَن قطعنا، وأن نعفو عمَّن ظلمنا، وأن نُعطي من حرمنا، وبهذا ينال الإنسان أعلى الرتب، فنسأل الله أن يُعينك على الخير.

ننصحك بأن تعتذري لها، وحتى لو لم تُريدي أن تعتذري اسألي عنها، واتصلي بها، واجعلي العلاقة سطحيةً، ولا تكرري مثل هذه الزيارات الطويلة التي تجلب المشكلات، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يرفعك عنده درجات.

نسأل الله لنا ولك التوفيق، ونبشّرك بالأجر العظيم، والثواب العظيم، بصبرك على هذه الخالة، وإبقاء شعرة العلاقة معها، ونسأل الله لنا ولك ولها الهداية والثبات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً