الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نتجنب أسئلة الفضوليين الذين يسألون عن أدق الأشياء؟

السؤال

السلام عليكم.

أمي وأخي وغيرهم أيضًا من الأقارب، -وأنا أتكلم عن أمي وأخي- يعانون من شخص من أقاربنا فضولي جدًا، وكثير الاسئلة، ودائمًا يسأل وهم يجيبون، وهم لا يريدون أن يجيبوا، لكنهم لا يعرفون كيف يفرون من الإجابة.

هو فضولي جدًا جدًا، ويسأل عن أشياء خاصة أحيانًا، ولكن في المقابل لا يقبل بأن يُسأل عن أدنى الأشياء، أو أوضح الأشياء، بل وحتى لا يقبل بأن يُسأل نفس السؤال، أو الأسئلة التي يسألها لأمي أو أخي؛ فمثلاً لو سأل أخي متى اشتريت السيارة؟ وبكم؟ وكيف؟ وعليها أسئلة أخرى، هو لا يقبل بأن يسأل نفس هذه الأسئلة إطلاقًا عن سيارته، وإذا سُئل يبدي ضيقًا، ويجيب بجواب قصير جدًا، أو يفر من الإجابة، ويقوم بالإفلات بطريقة ما.

أمي وأخي متضايقان جدًا منه، فأدى ذلك منهم بالابتعاد عنه، والبقاء بعيدًا عنه قدر المستطاع، ومع ذلك أحيانًا يصل إليهم، أو يقعد بجانبهم، ومن ثم يسألهم؛ لأنه بطبيعة الحال يستطيع ذلك، أي الوصول إليهم والقعود بجانبهم، ولأننا كثيرًا ما نكون مجتمعين في نفس البيت -أي بيت أهلي-.

ربما تقولون: عليهم بالمصارحة معه عن هذا الفضول والسلوك منه، ولكني أشعر بأن هذه المصارحة صعبة أو ثقيلة، فما الحل؟ وكيف يمكنهم ألا يجيبوا عليه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على طرح هذا السؤال الذي يعكس حرصك على راحة والدتك وأخيك، واهتمامك بحل هذه المشكلة بطريقة حكيمة ومناسبة.

إن التعامل مع الأشخاص الفضوليين الذين يتجاوزون حدود الخصوصية قد يكون تحديًا، وخاصةً إذا كانوا من الأقارب الذين لا يمكن تجنبهم بسهولة، وسأحاول أن أقدم لك نصيحةً شاملةً قدر الإمكان، والله المستعان، وعليه التكلان.

أولاً: ديننا يُشجّع المسلم على حفظ خصوصياته، وعدم الخوض في ما لا يعنيه؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" [رواه الترمذي]، هذا الحديث يضع قاعدةً ذهبيةً للتعامل مع الفضول؛ حيث يحث المسلم على الابتعاد عن التدخل في شؤون الآخرين.

كما أن ديننا يدعو إلى التعامل مع الآخرين بالحكمة واللين، حتى في المواقف التي قد تكون مزعجة، قال الله تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة فصلت: 34)، أي أن الرد بالحسنى يمكن أن يطفئ نار الجدال أو الإحراج.

وقالت العرب قديمًا: "إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب"، وهذا المثل يذكّرنا بأهمية اختيار الكلمات بعناية، وأحيانًا يكون الصمت هو الحل الأمثل، وينسب للإمام الشافعي -رحمه الله-: "من أراد أن يسلم من الناس فليعتزلهم، ومن خالطهم فليصبر على أذاهم"، وهذا يعني أن التعامل مع الناس يتطلب صبرًا وحكمة.

إليك خطوات عملية يمكن لوالدتك وأخيك اتباعها، للتعامل مع هذا الشخص الفضولي بطريقة لبقة وفعّالة:

* يمكنكم الرد بإجابات عامة، وغير محددة دون الدخول في التفاصيل، على سبيل المثال:
- إذا سأل عن سعر شيء معين: "الحمد لله، كان مناسبًا".
- إذا سأل عن وقت شراء شيء: "منذ فترة".
هذه الطريقة تُشعره بأن الإجابة قد قُدمت دون فتح المجال لمزيد من الأسئلة.

* بمجرد أن يبدأ في طرح الأسئلة، يمكن لأمك وأخيك تحويل الحديث إلى موضوع آخر، على سبيل المثال:
- "بالمناسبة، كيف كانت رحلتك الأخيرة؟".
- "هل سمعت عن الحدث الفلاني؟".
هذا الأسلوب يُشتت انتباهه، ويبعده عن الموضوع الذي يثير فضوله.

* يمكنه الرد بطريقة فكاهية لتخفيف حدة الموقف، فعلى سبيل المثال:
- إذا سأل عن شيء خاص: "سر المهنة!"، أو "هذا سر عائلي!"؛ فالدعابة تُخفف من التوتر، وتُجنب الإحراج.

* إذا استمر في الفضول، يمكنهم التحدث معه بلطف، ولكن بحزم. على سبيل المثال:
- "أعتقد أن هذا الموضوع شخصي بعض الشيء، دعنا نتحدث عن شيء آخر"، وهذا الأسلوب يُظهر الاحترام، مع الحفاظ على الخصوصية.

* إذا كان من الصعب التعامل معه مباشرة، يمكن لأحد أفراد العائلة الآخرين التدخل، لتغيير الموضوع أو صرف انتباهه.

* إذا كان من الصعب الرد أو تغيير الموضوع، يمكنهم ببساطة الابتسام أو الرد بإيماءة دون الدخول في التفاصيل.

ومن المهم أن نعلم أن الأشخاص الفضوليين من الناحية النفسية، غالبًا ما يكون لديهم حاجة للسيطرة، أو الشعور بالأهمية من خلال معرفة تفاصيل حياة الآخرين، والتعامل معهم يتطلب الهدوء، وعدم الانفعال؛ لأن الانفعال قد يشجّعهم على الاستمرار، كما يتطلب الثقة بالنفس؛ فالردود الواثقة والمختصرة تُشعرهم بأن الشخص الآخر غير متأثر بفضولهم، وإذا استمر في طرح الأسئلة، فيمكن تكرار نفس الإجابة العامة دون تغيير.

تذكّر أن الصبر على أذى الآخرين هو من أعظم القربات إلى الله، وأن التعامل بحكمة مع المواقف الصعبة يعكس قوة الإيمان وحسن الخلق.

في الختام: أوصي والدتك وأخيك بالصبر والحكمة في التعامل مع هذا الشخص، مع التمسك بحقهم في الحفاظ على خصوصياتهم، أسأل الله أن يرزقهم السكينة والحكمة في التعامل مع هذه المواقف.

وفقكم الله لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً