الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس في الوضوء والصلاة وتخوف من المستقبل، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من وساوس في الوضوء تجعلني أتأخر عن الصلاة، وأعيده مرات كثيرة، وقد انتقل الوسواس إلى صلاتي، فصرت أشك هل سجدت سجدة أو سجدتين، هل قلت سبحان ربي الأعلى قبل أن أنهض من السجود أم لا، وهكذا.

قرأت كل ما وجدته من استشارات حول الوساوس، وفهمت أن علي تجاهلها، لكن حينها شعرت أني مقصرة، متكاسلة حتى عن إعادة وضوء بسيط أو صلاة مفروضة، ندمت أشد الندم، وقررت البدء من جديد، ثم لا تمر فترة إلا وينتقض وضوئي سواء بريح من القبل أو الدبر، وأحياناً أشك هل حدث ذلك، وأحياناً أخرى أكون واثقة من سماع صوت أو شعور ما.

خروج الريح المتكرر لا يحدث معي إلا حين أنوي الوضوء والصلاة، فحين أتوضأ فقط أشعر بخروج الريح قرابة الخمس مرات، فيصعب علي تجاهلها، وأحياناً أنشغل بعد الوضوء دقائق فينتقض، فأضطر لإعادته.

أشعر بضيق في الصدر، وأكره نفسي؛ لأنني صرت أرتاح من الصلاة بعد أدائها، وقد كنت أرتاح بها، تجدني أركض من غرفة لأخرى حتى أسرع قبل أن ينتقض وضوئي، والمشكلة أني أشعر في كل مرة أن بإمكاني تداركه، وأنه ليس وسواساً، بل هو خطئي، وتجدني قليلة التركيز في الصلاة ولو حرصت.

أنسى كثيراً، وأعيد الصلاة أو أكملها مشوهة، أو أنقض الوضوء أثناءها، أرتعب من فكرة محاسبة الله لي، وكل صلواتي غير مقبولة، ولم أعد أصلي النوافل.

مشكلتي الأخرى: أن والدَيّ يرفضان فكرة النقاب في بلدي، والمدارس في بلدي تطرد التلميذات المنقبات، وكل المدارس عندنا مختلطة، ولا أملك كفاية للدراسة بالخارج في مدرسة للإناث، فما الحل؟

جزاكم الله خيراً لإفادتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا -أيتها الفاضلة- التواصل معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يزيدك حرصًا على الصلاة، وأن يجنبك شر كل ذي شر، إنه جواد كريم.

أختنا الكريمة: ما يحدث معك أمر طبيعي، لا يخلو إنسان منه، لكنه يضعف ويقوى عند التعامل الصحيح معه، وقد نجحت حين علمت أن التجاهل أحد أدويته، لكن دخل لك الشيطان من مدخل آخر فضعفت له فقوي عليك.

أختنا: دائمًا ما نكرر: الوسواس غبي حقير ضعيف، لكنه قوي على من جهله، وشديد على من استرسل معه، أو ناقشه، وحين نريد القضاء عليه لا بد من فهم ذلك جيدًا، و-الحمد لله- أن الشريعة الإسلامية راعت هذه النقطة تحديدًا، وأصل الفقهاء قاعدة ذهبية مريحة سنذكرها لك بعد قليل.

الأخت الفاضلة: البيئة الخصبة للوسواس والتي يتمدد فيها هذا المرض هو: الجهل، والخوف، والسلبية، ومتى ما تم علاج هذه الأسباب، أصبح الوسواس ذكرى، لذا عليك الانتباه جيدًا لما نقول.

ينتهي الجهل بقراءة كتاب مبسط في فقه الطهارة وأحكامها، وينتهي الخوف بمعرفة أن الله عز وجل رفع عن الأمة الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، فالله رحيم بعباده، وهو يعلم نواياهم ويجزيهم على النية الصادقة الأجر العظيم، وإن أخطأوا، ما دام القصد الخير وأخذوا بالأسباب لها، نضرب لك مثلاً: رجل ذهب للصلاة، ولم يعرف اتجاه القبلة، حاول واجتهد، ثم غلب على ظنه أنها في جهة ما، بعد الانتهاء من الصلاة قابله رجل، وقال له القبلة في الاتجاه المغاير! الحكم: لا يعيد الصلاة، وصلاته تامة، انظري -أختنا- إلى رحابة الشريعة وسعتها، هذا التعامل والفهم يقضي على الخوف المقلق السلبي.

السلبية داء كبير، وعلاجها تحويل كل ما تراه عينك سلبًا إلى إيجاب، حتى الوسوسة، ونضرب مثالاً: الله لن يتقبل صلاتي! هكذا يوسوس الشيطان، قولي في نفسك: بل سيتقبل بمنه وكرمه، وسأصلي النافلة اليوم وأزيد عليها، سأقرأ وردي اليوم، وأزيد عليه، سأذكر الله اليوم وأزيد، بهذا تتقدمين كل يوم نحو الطاعة.

أما مسألة شعورك أنك مقصرة؛ فلست مقصرة -يا أختنا-، والتجاهل هو الشرع الذي ينبغي عليك عدم مخالفته، واستمعي معنا إلى تلك القاعدة التي أصلها أهل العلم فهي تغنيك عن كل التعب والإرهاق: اليقين لا يزول بالشك.

نعم، قد توضأت ثم أتاك الشك -مهما كانت قوته- فما دام شكًا فلا تلتفتي إليه، فإذا انقلب إلى يقين ساعتها تعودين للوضوء، وليس عليك التقصي ما دام الأمر ظنًا، استمعي معنا إلى ما رواه مالك في موطئه، وعبد الرزاق في مصنفه، وغيرهم، أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟ سؤال قد يكون مشروعًا، وهو يتعلق بنجاسة الماء من عدمه، وهو أمر خطير، فماذا فعل عمر؟! استمعي: "يا صاحب الحوض! لا تخبرنا؛ فإنا نرد على السباع وترد علينا". هكذا انتهى الأمر.

ولعلك تقولين -أو يوسوس الشيطان قائلا-: الأفضل الأخذ بالاحتياط، وهنا ننقل لك كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: الاحتياط بمجرد الشك ليس مستحبًا ولا مشروعًا، بل ولا يستحب السؤال عن ذلك، وقد ثبت: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - توضأ من جرة نصرانية مع قيام هذا الاحتمال. ومر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وصاحب له بميزاب، فقال صاحبه: يا صاحب الميزاب: ماؤك طاهر أم نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبره؛ فإن هذا ليس عليه.

أختنا الكريمة: النقاب الذي هو تغطية الوجه كاملاً من المسائل المختلف فيها، فأكثر العلماء يُوجبون على المرأة أن تغطي وجهها أمام الرجال الأجانب، وبعضهم يوجبه فقط إذا خشيت الفتنة، أو خشيت نظر الأجنبي إليها، وبعضهم يُرخص فيه ولا يرى وجوبه.

ومن المعلوم أن الجميع متفق على أنه الأفضل للمرأة المسلمة والأصون لها، وعليه فإننا نحثك على عدم مخالفة والدك، ولا عصيانه، بل ننصحك بالاستعانة عليه بمن له تأثيرٌ ومكانة وحظوة عنده، فيحدثه عن رغبتك وحاجتك وأثر ذلك عليك، كما يحاول أن يذهب عنه المخاوف التي تقلقه، وإلى أن يشرح الله صدره لذلك لا تخالفيه، واجتهدي في الدعاء أن يشرح الله قلبه وصدره لهذا الخير، لكن بقي أن ننبه أن اللباس الشرعي يجب أن يكون ساتراً لجميع البدن، وألا يكون زينة في نفسه، وأن يكون صفيقاً لا يشف، وأن يكون فضفاضاً لا يصف، وألا يكون مبخراً أو مطيباً، وألا يشبه لباس الرجال، ولا لباس نساء الكفار، وألا يكون لباس شهرة.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، والله الموفق.
_____________________
انتهت إجابة الشيخ أحمد المحمدي -المستشار التربوي والشرعي-،
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
______________________
نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

أنا تدارستُ رسالتك بكل دقة، -وإن شاء الله تعالى- سوف أجيبك على الجوانب النفسية المهمة فيها، وقد تفضل الشيخ الدكتور أحمد المحمدي بإجابتك على موضوع الحجاب وصعوبة تطبيقه في بلادكم، والله المستعان.

طبعًا أنت تعانين من وساوس قهرية ذات طابع ديني حول العبادات، خاصة الصلاة والوضوء والطهارة، وهذا النوع من الوساوس شائع جدًّا -أيتها الفاضلة الكريمة- و-بحمد الله وفضله- تكون هذه الوساوس دائمًا عابرة، وليست مطبقة في مثل عمرك، وأهم وسيلة للعلاج حقيقة هو العلاج الدوائي، وأن تحقّري هذه الوساوس، وألَّا تتبعيها أبدًا.

هناك خطوات عملية فيما يتعلق بالوضوء:
- قومي بتصوير نفسك أثناء قيامك بالوضوء من خلال كاميرا تليفون.
- حددي الزمن الذي ستقضينه في الضوء، وليكن خمس دقائق، هذا مهم جدًّا.
- حددي كمية الماء الذي ستتوضئين به، لا تتوضئي من ماء الصنبور أبدًا.
- ضعي ماءً في إبريق أو إناء بقدر لتر ونصف، وهذا يكفي تمامًا؛ واعلمي أن الإسراف مذموم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بلتر إلَّا ربعًا (تقريبًا) بحسابات اليوم.
- حين تبدئين في غسل الأعضاء المختلفة من غسل اليدين، ثم المضمضة والاستنشاق والاستنثار، إلى غسل الرجلين، قومي بالتأكيد على نفسك بأنك قد قمت بفعل كذا، بأن تقولي في سرّك: (أنا الآن الحمد لله قد قمتُ بغسل يدي)، ثم تنتقلين بعد ذلك للعضو الذي يليه.
- بعد أن تنتهي من الوضوء راجعي الفيديو، وسوف تجدين -إن شاء الله- أن وضوءك كان صحيحًا.

أكرر تحديد كمية الماء، وتحديد الزمن مهم جدًّا، ويجب ألَّا يستغرق الوضوء أكثر من ثلاث إلى خمس دقائق، وحين تشاهدين ما قمت بتصويره ستجدين أن وضوءك سليم جدًّا، هذا سوف يُعزز الشعور الإيجابي لديك، ممَّا يجعلك تحقّرين فكرة الوسواس.

أمَّا بالنسبة للصلاة:
- قومي بتصوير نفسك وأنت تؤدّين الصلاة -كما فعلت في الوضوء-.
- حاولي التركيز، وحاولي أن تكوني خاشعة.
- العزم على ألَّا تعيدي الصلاة، فالعلماء الكرام أفادوا أن صاحب الوساوس من أصحاب الأعذار، وابني على اليقين.
- لا تُطيلي القيام واقرئي ما تيسر من قصار السور، مثلاً الفاتحة ثم سورة قصيرة.
- بعد الانتهاء من أداء الصلاة راجعي الفيديو، وسوف تجدين أن صلاتك صحيحة.

وطبعًا إذا صليت مع والدتك أو أختك هذا أيضًا فيه خير كثير لك.

أنت تحتاجين لعلاج دوائي، وعمرك 16 سنة، الدواء الذي يُناسبك عقار يُسمَّى (فافرين/ فلوفوكسامين)، شاوري والديك حول موضوع الدواء، وإن وافقا أن يذهبا بك إلى طبيب نفسي فهذا أمرٌ جيد، وإن وافقا أن تتناولي الدواء، فيمكن أن أصف لك الدواء.

الفافرين في حالتك يتم تناوله بداية بجرعة 50 ملغ ليلاً، لمدة أسبوعين، ثم تكون 100 ملغ ليلاً، لمدة شهرٍ، ثم 150 ملغ ليلاً، ومن وجهة نظري هذه الجرعة سوف تكون كافية في حالتك، علمًا بأن الجرعة القصوى أو الكلية هي 300 ملغ من هذا الدواء، لكنك لست في حاجة إليها.

استمري على جرعة 150 ملغ ليلاً لمدة شهرين، ثم خفضيها إلى 100 ملغ ليلاً لمدة شهرين آخرين، ثم 50 ملغ ليلاً لمدة شهرٍ، ثم 50 ملغ يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء، وهذا الدواء سليم جدًّا، ولا يُسبّب الإدمان، ولا يُؤثّر على الهرمونات النسائية.

ناقشي أمر العلاج والمقترحات التي أسديناها لك مع والدتك أو والديك، وأنا أبشرك أنك إذا اتبعت ما ذكرناه سوف تُعالَج لديك هذه الوساوس تمامًا.

أريدك أيضًا أن تتجنبي الفراغ، وأن تكوني حريصة على حُسن إدارة الوقت، وأن تنامي مبكّرًا، وتمارسي أي تمارين رياضية تناسب الفتاة المسلمة، وأن تُذاكري دروسك بعد صلاة الفجر مباشرة، حيث إن درجة التركيز تكون عالية جدًّا، وبهذه الكيفية تتخلصين تمامًا من هذه الوساوس -إن شاء الله تعالى-.

نشكرك على الثقة في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً