الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد وفاة أمي وولدي أصابني الإحباط واليأس، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله
الإخوة الكرام: تحية طيبة.

يوم أمس انتابني شعور كبير بالإحباط لما أنا فيه، فقد توفي ولدي منذ مدة، بسبب أفعال مشينة بالسحر من أشخاص قاموا بأذيته، ولا أريد أن أتطرق إلى تفاصيلها.

أنا -بفضل الله- مؤمن بقضاء الله وقدره، وفي كل مرة أدعو الله بالثبات، وأن يهلك من تسبب بأذيته واستهان به، وتسبب بموته، وها أنا أرى الذين تسببوا بموته يسبحون ويستغفرون، ويعيشون عيشة طيبة أفضل من أي وقت.

بالمقابل أجد اضطهاداً كبيراً من والدي بسببهم، من جهة، ومن ظروفي ووضعي من جهة، وفي كل مرة أدعو الله تعالى أن يريحني ويفرجها علي، ووصلت إلى مرحلة أني قنطت ويئست، فكما نعلم أن الإنسان له صبر ليس كـصبر الله، ولكن أنا في امتحان شديد، ولا أعلم ماذا أفعل؟! هل أفعل ما يغضب الله، وأقضي على من تسبب بموت ولدي، وعلى من أساء لي، ولأهل بيتي؟

علماً بأني دائماً أدعو الله أن لا يسحبني الشيطان إلى ما يغضب وجهه، وفي كل مرة أدعو ولا أجد آثار دعائي.

لا شك أن الله تعالى لا يستجيب في الحال، وتقديرات الله ليست كحساباتنا، ولكني وصلت لمرحلة القنوط واليأس، والإحباط الشديد، حتى إنه وصل الأمر أن هناك فتوراً كبيراً جداً في صلاتي وعبادتي، ولا أشعر نهائياً بالخشوع مهما حاولت، ولا أستطيع حتى الدعاء، فقد دعوت وبكيت وتضرعت كثيراً، حتى أصبحت أتمنى الموت، وفي كل مرة ينتابني شعور، وأستفسر كيف أن الله تعالى يرى هذا الظلم الكبير يقع على عبد من عباده يدعوه ويتضرع له، ولا أجد أي أثر لدعواتي؟

بالمقابل ينتابني شعور أني لا أعرف هل ما أنا فيه غضب من الله أم امتحان؟! بحيث كل شيء أحبه قد غادر الدنيا، فكانت في البداية أمي ثم ابني بعمر 8 سنوات ونصف، بعد معاناة كبيرة لمدة 8 سنوات بمرض السرطان.

لا أعلم مصيري في الآخرة، ودائماً أخاف من ذلك، وأشعر أن كل شيء ضدي، وأصبحت حرفياً أشعر بوحدة شديدة، وضنك كبير، لا أستطيع تحمله، وأخشى على نفسي وديني وأهل بيتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو أمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب.
أولاً: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُخلف عليك ويعوضك عن كل شيءٍ فاتك، ويجبر مصيبتك.

ثانيًا: نذكّرُك - أيها الحبيب - بأن ما يُقدّره الله سبحانه وتعالى على الإنسان في هذه الحياة يُقدّره بحكمة وعلم ورحمة، فهو سبحانه وتعالى أرحم بنا من أنفسنا، وهو لطيف بنا، كما قال سبحانه: {الله لطيفٌ بعباده} يُوصلُ إلينا الخير بطرق خفيّة، فهذا معنى اللطف، ويُقدّرُ علينا أقدارًا مؤلمة لما يعقبها ويأتي بعدها بالنتائج الطيبة، سواء في عاجل الحياة أو في الحياة الآخرة.

لا بد إذًا من الثقة بحسن تدبير الله سبحانه وتعالى ورحمته، وحُسن رعايته للإنسان المسلم، وقد قال الله في كتابه: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

كن واثقًا من أن الله سبحانه وتعالى رحيمٌ بك، وهو أرحم بك من نفسك، لكنّه يٌُقدّر كل شيء بقدر، وتذكُّرك لهذه المعاني يطرد عنك هذا الشعور بالإحباط واليأس، ويُعزّز في نفسك حُسن الظن بالله سبحانه وتعالى، فقد قال الله في الحديث القدسي: (أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظنّ بي ما شاء).

اليأس من رحمة الله تعالى من أخلاق الكافرين، كما قال الله سبحانه وتعالى: {والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي} فلا يجوز للإنسان المسلم أن يقنط من رحمة الله أو أن ييأس من لطفه وحُسن تدبيره.

لا يزال الإنسان المسلم يُبتلى ويُمتحن، وعليه أن يُقابل هذا الابتلاء وهذا الامتحان بالصبر والاحتساب من جهة، وباللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بصرف المكروهات من جهة أخرى، وألَّا ينقطع عن هذا الدعاء تحت تأثير تأخُّر الإجابة، فإن الله سبحانه وتعالى يُجيب عبده المسلم إذا رفع إليه يديه، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرًا)، لكن هذه الإجابة قد تكون بإعطائه نفس الشيء الذي سأله، وقد تكون بدفع مكروهات أخرى هو لا يعلمها، ولولا هذا الدعاء لأصابه شيءٌ كبير من المكروه، وقد يكون بادخار الثواب والأجر للآخرة.

في كل هذه الأنواع من الإجابة خيرٌ كثيرٌ لهذا الإنسان، فننصحك - أيها الحبيب - بأن تتذكّر هذه المعاني، وأن تعلم بأن الله سبحانه وتعالى لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عنه خافية، وهذا سيدفع عنك هذا الشعور الذي أثقل كاهلك، وأصابك بالإحباط الشديد.

أمَّا ما ذكرته بشأن موت ولدك، وأنه مات بالسرطان - كما فهمنا من سؤالك - فهذا ينفي ما تتوهّمه وتظنه بسبب السحر وغير ذلك.

نحن نقول ذلك حتى نُخفف عنك ما تجده من ضيق نفسٍ وهمّ وكدر، ربما كان سببه مجرد توهُّم تتوهُّمه، وظنونٌ تظنُّها ليس لها رصيد من الحقيقة.

دع عنك هذه المشاعر، واعلم بأن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد، وأنه سيلتقي عنده الخصوم، فمن كان له مثقال ذرة من حقٍّ سيأخذه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها، حتى يُقتصَّ للشَّاة الجلحاء من الشاة القرناء).

ننصحك - أيها الحبيب - بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وكثرة الاستغفار، وإحسان العلاقة بالله تبارك وتعالى، والتقرب إليه بترك المحرمات وفعل الفرائض والواجبات، مع إحسان الظنّ بالله سبحانه وتعالى، وستجد أمورك تتغيّر بعون الله.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يُذهب عنك كل مكروه، ويأخذ بيدك إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً