الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أتجاهل طلبات أمي بسبب دعائها علي، فما تعليقكم؟

السؤال

السلام عليكم.

الموضوع هو أن أمي كانت تبحث عن كتب، وتُصر أني أعرف مكانها، وأنا والله لا أعرف، وعندما قلت لا أعرف، قامت بالدعاء علي كثيراً بأن أفشل في حياتي، وينقسم رأسي، وأخذت تشتمني، وتقول بأنها ليست راضيةً عني أبداً، وأني سأدخل النار، ولم أرد عليها بشيء، وعندما تدخل أبي، وقال: لا تدعي، أخذت تدعو عليه أيضاً.

فهل سأدخل النار؟ وهل ستستجاب الدعوات التي تدعوها على والدي وهو لم يفعل شيئاً؟ وهل عندما تقول لست راضيةً عنك وأنا لم أفعل شيئاً، فهل علي ذنب؟

كما أنه منذ ذلك الموقف أصبحت أتجاهلها، وإن طلبت مني شيئاً لا أفعله لها، فتدعو علي وتشتمني، وإن نادت علي لا أرد؛ لأني والله حزينة جداً من كلامها، فالله وحده يعلم ما في قلبي، فهل علي إثم عندما تطلب مني شيئاً ولا أفعله؟ وهل أكون عاقةً؟

والله إني أحاول أن أبرها، ولكنها لا تبرني، ولا تعينني على ذلك، أتمنى أن أجد الجواب على سؤالي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن ييسّر لك بِرَّ أُمَّك، ويُعينك عليه، وقد أصبت في أول الأمر حين حرصت على إرضاء والدتك، وعدم مقابلة إساءتها إليك بالإساءة أو التقصير في حقها، بعدم ردِّك عليها كما ذكرتِ في سؤالك، والواجب عليك أن تحرصي كل الحرص على بِرِّها والإحسان إليها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، بأن لا تقعي في العقوق المحرَّم؛ فحقّ أُمّك عليك كبير وإن أساءت إليك، فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

وإساءتها مهما أساءت لا يُبرِّر أبدًا أن تُسيئي أنت إليها، واعلمي أن الله سبحانه وتعالى مطلع على الحال، ويعلم ما في قلبك، فإذا لم تتعمّدي التقصير في حق من حقوقها، ولم تتعمّدي عقوقها وترك بِرِّها؛ فإن الله تعالى يُثيبُك ويُعاملك بمقتضى ذلك، بل قد عفا سبحانه وتعالى عن بعض الهفوات والزلات التي تقع من غير قصد في معاملة الوالدين، ما دام هذا الولد يحرص على بِرِّهما، والله تعالى يعلم من قلبه ذلك الحرص، كما قال سبحانه في كتابه الكريم: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24]، ثم قال: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25]، فالله تعالى يعلم ما في قلبك من حُبّك لأُمّك وحرصك على البر بها، فإذا وقعت منك هفوة من غير قصدٍ فإنها تقع في عفو الله ومغفرته.

أمَّا أن تتعمّدي عصيانها فيما تطلبه منك وتقدرين عليه، أو تتعمّدي تجاهلها وعدم الردّ عليها؛ فهذا حرام لا يجوز، وهو لونٌ ونوعٌ من أنواع العقوق، والعقوق من كبائر الذنوب، وهو ذنبٌ يُعجّلُ الله تعالى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة، فاحذري كل الحذر من الوقوع في عقوق أُمّك، وبادري إلى إصلاح الحال معها، واطلبي منها السماح عمَّا مضى، وستجدين قلبها ليِّنًا رحيمًا رقيقًا، فهذه فطرة الله تعالى التي فطر عليها الأم.

أمَّا إذا دعت عليك بسبب أمرٍ لا تقدرين عليه ولا يلزمك شرعًا القيام به –كما ذكرتِ في أول استشارتك– فإن هذا الدعاء لا يقبله الله، لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل الدعاء من الإنسان المعتدي، كما قال سبحانه وتعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].

نسأل الله تعالى أن ييسّر لك الخير ويحبّبه إليك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً