الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نحن في الغربة وزوجي يشعر بأننا عبء عليه، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإخوة الكرام، جزاكم الله خير الجزاء على هذا المنتدى.

أكتب لكم اليوم وقد ضاقت بي الدنيا، فأنا متزوجة، ولدي أولاد، ونعيش في بلاد الغربة بسبب ظروف الحياة، وحياتي مستقرة -والحمد لله-، ولكن منذ فترة أصبح زوجي يشتكي من أنه تعب من الغربة، وأنه يريد الرجوع، فمرةً يتحجج بأهله، ومرةً يتحجج بأنه تعب من الوظيفة، ومرةً يريد أن يترك العمل، وأنه لا يحتاج من الحياة غير قطعة خبز وماء، ولكنه مقيد بالأسرة والأولاد، وأنا أعمل وأساعده بكل راتبي، ولا أدخر منه شيئًا، ولكنه ما زال يشتكي.

أنا كزوجة وامرأة، شعرت بأن كرامتي جرحت كثيرًا، وكأننا نشكل عبئًا عليه، والله إننا لا نستطيع العودة لبلادنا؛ فالوضع غير جيد، ولكنه مصمم، واليوم عرض علي أن أجلس مع الأولاد، ويعود هو للبلاد ليقضي باقي عمره بين أهله، أخبرته بأن دخلي المادي لا يكفي، فقال: حاولي، وأنا سوف أذهب، وأعمل، وأرسل لكم قدر المستطاع.

والله إني في حيرة من أمري، أولادي بعضهم في الجامعة، والبعض في المدرسة، كيف لي أن أعول هذه الأسرة بمفردي في بلاد الغربة؟ أخاف أن أكون مذنبةً وظالمةً له، ولكن ماذا أفعل؟ يقول بأنه مجبر للعيش معنا، ساعدوني، هل أنا على حق؟ وما هو الحل؟

أنا والله تائهة، وقلبي يتمزق على كرامتي ونفسي المكسورة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك ولزوجك وأولادك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أولاً: جزاك الله خيرًا على مساعدة زوجك وأولادك، وعلى تحمل ما ليس واجبًا عليك، فليس واجبًا عليك العمل، وليس واجبًا عليك النفقة.

ثانيًا: نحن لا نعرفك، ولا نعرف زوجك، ونحكم من خلال ما نقرأ، ويمكن أن يكون كل ما ذكرته صحيحًا، ويمكن أن يكون هناك تضخيم للحدث عندك، أو عند زوجك، أراد الشيطان استغلاله، لذلك دعينا نفترض قراءةً ثانيةً لما يحدث، ثم نبني على الاثنين:

لماذا نقول ذلك؟

نقول ذلك: لأننا أحيانًا نفترض مشكلةً، ونفترض لها علاجًا مغايرًا، والمشكلة موجودة، وما يتم علاجه عرض عن مرض، سببه أننا حبسنا أنفسنا في فكرة لا نريد الخروج منها، وقد تكون هذه الفكرة من الأساس خاطئةً، لكن لأنها صارت قناعةً عنده، ولها بعض الدلائل على أرض الواقع، وتصبح ساعتها حقيقةً لا ريب فيها، وهذا مثل قولك -حفظك الله-: "أنك وأولادك صرتم عبئًا على الزوج" مع أن الكلام المذكور في الرسالة قد يحمل غير ذلك، وقد يحمل على أن الرجل ضاق ذرعًا بالغربة، ولولا وجودك وأولادك في حياته لما اغترب، وهذا ليس معناه جرحًا لكرامتك، ولا التقليل من شأنكم، ولكن لأنه واجب عليه توفير حياة كريمة لكم، فهو ضاغط على نفسه، متحمل البقاء في الغربة، وهو كاره لها لأجل أولاده.

هذا المعنى يشعر به الكثير من الرجال، بل والنساء أيضًا، وليس فيه أي إهانة، ولا خدش لكرامتك -حفظك الله-، لكن الحساسية أحيانًا تحمل الكلام على غير وجهه.

وعليه فلو أردنا أن نبتعد عن فكرة العبء المذكور، وقلنا: لماذا يريد الزوج السفر، ثم عمدنا إلى إزالتها، أو التخفيف منها، لكان ذلك معينًا على حلها.

ومن الأسباب المنطقية التي لأجلها يقول بعض المغتربين ذلك، ومنهم الزوج:

- الشوق إلى أهله.
- التعب من كثرة الأعمال الملقاة عليه.
- عدم وجود صحبة له تعينه.
- وجود بعض المشاكل في البيت، وعدم القدرة على تغييرها.

وأنت كزوجة يمكنك أن تضعي أسبابًا أخرى من خلال معرفتك بزوجك.

فإذا حددنا الأسباب بعناية، فإننا ننصحك بما يلي:

1- العمل على التخفيف من حدة تلك الأسباب إن لم يكن إزالتها عند القدرة.
2- التعاون مع الأبناء في تخفيف الأحمال على الزوج.
3- عرض فكرة أن يأتي بأبويه زيارةً.
4- عرض فكرة أن تنزلوا جميعًا إجازةً، وتحاولون التجربة العملية، ومن ثم تقررون.

هذه الحلول -أختنا- واقعيةً، وفي نفس الوقت ستكون دافعًا لاختيار أفضل الحلول.

وأخيرًا: لا تعارضي زوجك في النزول، ولا تشعريه أنه هين عليك، بل قولي له: كل مكان تحب أن تكون فيه سنكون فيه معك؛ لأنك الزوج، والأب، والأهم في البيت.

واعرضي عليه -بعد الاجتهاد في معرفة الأسباب، ومن ثم إزالتها، أو التخفيف منها- النزول جميعًا لمدة ما من غير إنهاء خدماته، وهناك اجتهدوا أن تعيشوا في المستوى الذي يعد طبيعيًا لمن استقر في بلده.

بالتجربة -أختنا- فإن القناعة بالتغيير عنده أو عندك ستكون، وكفة الأولاد ستكون مرجحةً، ولن تخسري زوجك ولا ما تحبين، المهم ألا تشعريه أنه أصبح هامشيًا في حياتك وحياة أولاده، أو يمكن الاستغناء عنه.

نسأل الله أن يقضي الخير لكم، وأن يسعدكم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً