الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضميري يؤنبني بسبب صوري التي أرسلتها لفتاة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعيش في دولة أجنبية، وخلال الست سنوات الماضية كنت في فترة عصيبة من حياتي، حيث إنها كانت مليئة بالاكتئاب، والتوتر، والصداع العنقودي؛ بسبب بيئة البيت، وكنت مقصرًا في صلاتي، وفي علاقتي بربي سبحانه وتعالى، فقررت استشارة طبيب نفسي، وطبيب أعصاب، وبدأت بالعلاج، -والحمد لله- تحسنت صحتي، لكن لا تزال تلازمني بعض الآثار إلى يومنا هذا -والحمد لله-.

على كل حال، في تلك الفترة العصيبة التي كُنتُ فيها في أدنى حالاتي النفسية والعقلية، وخلال السنتين الماضيتين كنتُ أتواصل مع فتاة، حيثُ إننا وقعنا في علاقة عاطفية فترة سنتين، نتواصل فيها تقريبًا بشكل يومي، وتم فيها مشاركة صورنا وأرقامنا بدون علم أهلنا.

كنت أعمى البصيرة وقتها، ونفسي سولت لي التساهل في الحب غير الشرعي، كان يأتيني تأنيب ضمير فيما قلته لها من كلام في الحب، ووجود صورها على هاتفي، فتجنبًا للإثم المستمر، حذفت كل شيء لها من هاتفي، وصارحتها بذلك، وطلبت منها أن تفعل المثل، فرفضت، وقالت: لا تستطيع.

-الحمد لله- على كل نعمة وبلاء، فالآن رجعت للطريق المستقيم، وبدأت بالإكثار من الصلوات في المسجد، وأنوي الإكثار من الصوم أيضًا، وقراءة القرآن، والمداومة على الأذكار.

منذ ثلاثة أشهر لم أكلم هذه الفتاة، وقلت لها إنني سأتغيب للتركيز على ديني ودنياي، ولا يزال يأتيني تأنيب ضمير بسبب وجود صوري على هاتفها، فأطلبُ منكم أن تساعدوني في مشكلتي هذه، لأنني في حيرة من أمري، وسأشاركها هذه الاستشارة إن وجب ذلك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mazen حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقيك شر كل ذي شر، إنه جواد كريم، وبعد:

فالحمد لله على العافية، والحمد لله أن جنبك شر المرض وآثاره، والحمد لله أن رزقك التوبة، وتلك نعم حباك الله بها تستوجب الشكر والرضا.

أولًا: أسعدتنا والله بالحديث عن تدينك وصلاحك، وفرحنا كثيرًا لحرصك على الطاعة، والاجتهاد في فعل ما يرضي الله، وكذا الابتعاد عما يغضب الله، وإننا إذ نحمد الله على ذلك، نسأله أن يثبتك على الحق حتى تلقاه.

ثانيًا: التواصل الذي حدث معك مع تلك الفتاة التي لا تحل لك، وكذا تواصلها معك هو أمر مجمع على تحريمه، وكل كلمة كتبت، أو رسالة أرسلت، أو صورة شوهدت، كل هذا له إثمه عند الله، ولا يجوز لامرأة تؤمن بالله ولا لشاب يخشى الله أن يقع في ذلك، وعلى الفتاة متى ما أرادت مرضاة الله أن تقوم بحذف كل ما يخصك، ولا تستمع لنصائح الشيطان لها بالإبقاء، فإن الرسائل والصور كفيلة أن تجعلها تعيش دوامة من التعب النفسي لا يعلم به إلا الله، والعين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه.

ثالثًا: ينبغي عليك وعليها وعلى كل مسلم أن يعلم بوضوح: أن الزواج قدر مكتوب ورزق مقسوم، وأن الأمر بيد الله، وهو القادر على كل شيء، فمن كتبها الله لك زوجة هي معلومة ومقدرة لك من قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، والله لا يقدر لعبده إلا الخير، ومن كتبه الله لها زوجًا هو معلوم كذلك قبل خلق السماوات والأرض، فقد روى مسلم في صحيحه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء"، واختيار الله لك ولها أفضل مما أراده كل منكما لنفسه.

رابعًا: إننا ننصحك -أخي- وننصحها كذلك بعدم التعرض لغضب الله، أو التعرض لعذابه، لذا ننصحكما بما يلي:

1- التوقف التام لأي تواصل، مع حذف كل الصور والمراسلات، ولا تسمحا للشيطان بالتسلل إليكما، أو رسائله التي خاطب بها عاطفتكما، فإن الشيطان سيجعل من البعد وعدم الحديث موتًا لكما، وهذا كله وهم يصنعه الشيطان ليحملكما مسؤولية ثقيلة عليكما، أنتما فيها بين خيارين: إما إرضاء الله، إو إرضاء العاطفة والهوى، ومن هوى فقد هوى.

2- لا يعلق أحد آماله على غيب لم يصل إليه، ولا تضيقا واسعًا، واعلما أن مدارك المرء كل يوم تتسع، وما يريده من هو في بداية العشرين قد لا يرغب فيه بعد ذلك، والخير عند الله وحده.

3- حاول بناء نفسك، بحيث تكون مستعدًا للزواج، وعندما تكون قادرًا يمكنك التقدم إليها أو إلى من شئت، وساعتها لن تعيش تلك المعاناة أو هذه الحيرة، وهي كذلك لن تعيش تلك المعاناة لو عقلت.

4- ضعا هذه الآية نصب عينيكما تسعدا: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يُغنيهم الله من فضله}، هذا هو الطريق الآمن، وغيره هو الهلاك والفساد والدمار، فاسلكا طريق المعافاة، واعلما أن القلب إذا امتلأ طاعة وإيمانًا، وتوكل على الله؛ هان عليه ما صعب اليوم، وأمكنه أن يتجاوز ما توهم أن تجاوزه مستحيلًا، فاستعينا بالله، واطلبا العفاف.

5- يعينكما على تجاوز هذا كثرة الصيام، مصداقًا لقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن مسعودٍ: (يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

ملحوظة: إذا لم تمسح الفتاة ما عندها من صور لك، فإن هذا لا يضرك بعد التوبة، ولكنه سيضرها كثيرًا، ويشتت ذهنها، فعليها تقوى الله والاعتصام به.

هذا هو الطريق -أخي الكريم-، ونسأل الله أن يثبتك على الحق حتى تلقاه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً