الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هو علاج المصاب بمرض الوسواس القهري؟

السؤال

قريب لي مريض مصاب بـ (Rumination OCD)، وهو مرض نفسي يجعل الشخص غير عقلاني بتكرار الأفكار السلبية، فهو لا يتوقف عن التفكير، وهو أذنب ذنباً صغيراً، وتاب لكنه يعتقد أنه لن يتم محو الخطيئة، وأنه في العذاب الأبدي، فكلما أراد الصلاة خاف وارتعب، وتذكر ذنبه، حتى إنه توقف عن الصلاة، لأنه غير مؤمن، ولو بإيمان قليل تفيده صلاته، وسواءً صلى أو لا، فهو في النار بنسبة 100 تامة، دون شك.

مع ذلك يخاف الله ويتشهد، ولا يفكر في شيء آخر سوى ذنبه الصغير، منذ سنين عدة أشغله ذلك عن متع الحياة وسعادتها، ولم يتزوج ولم يدرس بسبب تفكيره المستمر بالجحيم، لكن في حال نسي ذلك يعيش بطبيعته لدقائق مؤقتة، ومهما أفتى له المفتون ومهما أخبروه برحمة الله لا يقتنع، فإن الفكرة راسخة في عقله، وإن ضحك تذكر ذنبه، وإن ذهب برحلة تذكر ذلك فأصبحت عيشته غير مريحة.

كلما نصحناه بالصلاة وسماع القرآن يخاف ويجزع، ويقول: ما الفائدة وأنا مخلد في النار؟! أريد الصلاة وحب الله لكن لا أستطيع لأنه مهما صليت فأنا مخلد في النار.

هل هنا التكاليف مرفوعة عنه حسبما ترون؟ وهل الابتعاد عن الدين خير لما قاله عز وجل: (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) وهو يخبرنا أنه يحب الله ويشهد بألوهيته، وبالرسول محمد نبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه مستثنى من رحمة الإسلام.

باختصار: هل إسلامه صحيح، ومرفوع عنه التكليف لما يعتقده قهرًا، كما تبين؟ وهل يدخل النار بشكل أبدي، رغم أنه يوحد الله خالصاً؟ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات يشهد أن لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنة)، وكثرة الأحاديث عن الشهادة والتوحيد.

هل له حسنات على ما يعيشه من خوف من الله والابتعاد عن حياته قهرًا؟ ورغم ذكائه، إلا أن فطرته واعتقاده هو أنه معاق.

علمًا بأنه لديه فقه كبير، لكن لا يفيده شيء، ومهما تحدثنا عن دوام الصلوات والأذكار يخبرنا الطبيب أنكم تزيدون من حالته، لأنه ليس موسوسًا بشكل طبيعي، وإنما لديه مرض مزمن نفسي.

وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب، وعلى اهتمامك بأمر هذا المريض، الذي أسأل الله له العافية والشفاء.

أخي: من وصفك أن هذا الرجل يعاني من وسواس قهري من نوع معيّن، وهذا نسميه بالوسواس الفصامي، أو الوسواس الذهاني، لأنه يعتقد اعتقادًا ذُهانيًّا مرضيًّا مطلقًا، وفي هذه الحالة نحن نعطي مضادات الذُّهان كأدوية مفيدة جدًّا لهذه الحالات، وذلك بجانب مضادات الوساوس.

أخي: أنا من وجهة نظري أن هذا الرجل يحتاج لعلاج دوائي مكثّف، وبعد أن تبدأ هذه الوساوس في التفكك وتُصبح أقلَّ إطباقًا، يُطبَّق معه العلاج السلوكي الذي يقوم على مبدأ: تحقير فكرة الوسواس، والتنفير منه، وصرف الانتباه عنه، وهذه الآليات العلاجية معروفة جدًّا.

المهم الآن هو أن يُعالج هذا الرجل، فأرجو أن تنصحه ليقابل أحد الأطباء المختصين، وإن كان ذلك ليس بالإمكان، فإذا كانت فحوصاته كلها سليمة وصحته جيدة، فيمكن أن نصف له أدوية مضادة للوساوس.

هنالك أدوية ممتازة جدًّا، من أفضلها العقار الذي يُعرف باسم (فلوكستين) يبدأ في تناولها بجرعة كبسولة واحدة – أي عشرين مليجرامًا حيث الكبسولة تحتوي على عشرين مليجرامًا - يوميًا لمدة أسبوع، ثم يجعلها كبسولتين يوميًا – أي أربعين مليجرامًا – ثم بعد مُضي أسبوعين يجعل الجرعة ثلاث كبسولات في اليوم – أي ستين مليجرامًا – يمكن أن يتناولها كجرعة واحدة، والجرعة القصوى هي ثمانون مليجرامًا – أي أربع كبسولات – لكن نعتقد أن ستين مليجرامًا ستكون كافية.

يستمر على هذا الدواء على الأقل لمدة ستة أشهر، ويمكنه بعد ذلك المتابعة معنا أو مع أي طبيب آخر.

الدواء الآخر الذي يحتاج له – وهو دواء مهم جدًّا؛ لأن الحالة الذهانية مُطبقة عليه – يُعرف باسم (أريبيبرازول Aripiprazole) يتناوله بجرعة خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوع، ثم 15 مليجرامًا يوميًا.

هذه أدوية فعّالة، وأدوية طيبة، وأدوية جميلة، أدوية نقية وغير إدمانية، وأسأل الله تعالى أن ينفعه بها، وتوجد طبعًا أدوية أخرى كثيرة.

هذا الرجل يجب أن يُعالج – أخي الكريم – هذه مسؤوليتك ومسؤوليتي ومسؤوليتنا جميعًا نحو أخينا هذا وأمثاله.

بالنسبة لموضوع هل هو مفتقد للأهلية؟ هل مرفوع عن التكاليف؟
أخي: سأحيل استشارتك وسؤالك هذا إلى أحد علمائنا المشايخ في استشارات إسلام ويب ليفيدك ويُفيده أكثر، وبما هو مطلوب وبما هو أصح.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
________________________________________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
________________________________________

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ بالعافية والشفاء العاجل على هذا الأخ المريض، ويصرف عنه كل مكروه، ونشكر لك – أخي الحبيب – سؤالك عمَّا ينبغي أن يُعان به هذا الأخ (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، وقد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد بما يُفيد ويكفي ويشفي من الناحية الطبية والسلوكية.

أمَّا من الناحية الشرعية فإن التكاليف الشرعية مربوطة ومنوطة بوجود العقل، فإذا كان العقل سليمًا لا خلل فيه فإن الإنسان مكلَّف بالتكاليف التي يقدر عليها، أمَّا إذا حصل خلل في العقل يُفقد الإنسان التمييز فالإنسان في هذه الحالة مرفوع عنه القلم، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة) ومنهم (وعن المجنون حتى يعقل).

العلماء يذكرون أن الوسوسة حالة داخلة ضمن حالات الإكراه، فالإنسان إذا تصرّف بعض التصرفات أو قال بعض الأقوال تحت تأثير الوسوسة فهو معذور لا يُحاسب بمقتضاها، كما لو أكرهه إنسان على فعل شيءٍ لا يريد أن يفعله.

إذا كان لا يقدر بالفعل على أن يُصلِّي فهو معذور، وهذه القدرة يعلمها الإنسان من نفسه، والله تعالى بها عليم، أمَّا إذا كان تركه لكل الصلوات لمجرد أنه يعتقد أنه مُخلّد في النار وأن الله يغفر له؛ فهذه الأعذار لا تكفي لإسقاط الصلاة.

الخلاصة: هذه الحالة بعينها لا يمكن الحكم عليها عن بُعد حتى يُقرر الطبيب أن في عقله خللاً، أو أن هذا المرض يصل به إلى حدّ الخلل العقلي الذي ترتفع معه التكاليف، وعلى ضوء هذا القرار الطبي يبني الفقيه حكمه ويُقرّر، هل ارتفعت عنه التكاليف أم لم ترتفع؟

نسأل الله تعالى له عاجل العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً