الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كل تصرفاتي مثيرة للشكوك بالنسبة لأمي!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخفقت في دراستي العام الماضي؛ وكان ذلك مخالفًا لتوقعات أهلي وآمالهم، ما حدث كان نتيجة طبيعية لعدم اجتهادي في الدراسة، ورغم أنني نجحت -الحمد لله- لاحقًا، إلا أنهم نظروا إلى الموضوع من زاوية مليئة بالاتهامات الباطلة والتهويل.

أمي وأهلي مصرون على أن السبب في إخفاقي هو انحرافي أخلاقيًا ومحادثتي للشباب، رغم عدم وجود أي دليل قاطع على ذلك؛ فلا توجد محادثات، ولا أخرج من البيت، وليس لدي مكالمات غريبة، كل ما في الأمر أنني أدرس في جامعة مختلطة، فظنوا بي ظن السوء، وأنني أنتمي لجماعات متطرفة دينيًا، تعرفت عليهم بالجامعة، رغم أن ذلك غير صحيح، وحجتهم بذلك أنني غيرت طريقة ملابسي إلى اللباس الشرعي، وزاد اهتمامي بديني، وهو قراري الشخصي.

أصبحت لا أثق بأهلي أبدًا، وأنا على هذا الحال منذ شهر، فكل تصرفاتي مثيرة للشكوك بالنسبة لهم، وأمي تتميز بطباع حادة، وشخصيتها متوترة جدًا، وتهلع من أبسط الأمور، أذكر أنها هلعت بشكل شديد حينما رأت بعض التجاعيد الخفيفة من ابتسامتي، أعني أنها هلعت فعلاً، وأصبحت قلقة من فكرة أني سأطلب منهم المال لإجراء عمليات التجميل، رغم أني لم أقل أني أكره تجاعيدي، وهي خطٌ خفيفٌ جدًا، لا أفهم لماذا هولت الأمر هكذا؟

وموقف آخر: في إحدى المرات أخذت قيلولة الظهر، فسمعتها تقول: ها هي تنام، سترسب وتكلفنا المزيد من المال! فقدت الشعور في كونها أمي فعلاً، أحس وكأنها امرأةٌ أكبر مني وعليّ تقديرها وخدمتها، لكن لا أشعر بنفس حنان الأم السابق، أخاف منها وأتجنبها، وأذكر أني دعوت عليها، ثم تبين لي أن ذلك من العقوق، فماذا أفعل معها؟

أمي آمالها عالية كثيرًا، ولا تقبل الخطأ، وتشك بأخلاقي دائمًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هاجر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الطبيبة إن شاء الله- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبعد:

نحمد الله إليك أن وفقك للتدين، ونحمد الله الكريم أن يسر لك الهداية والصلاح، ونحمد الله العلي العظيم أن وفقك في دراستك، وإنا لنرجو الله غدًا أن تكوني طبيبة صالحة تنفع أمتها المكلومة، وتداوي جراحها، وتعينها على نوائب دهرها.

أختنا الفاضلة: العرب تقول: ثبت العرش ثم انقش. ودعينا نثبت العرش لنقول لك: إن الفطرة التي خلقها الله في قلوب الأمهات قاضية عليك وعليها، هي تحبك أكثر مما تتخيلين، وإن لم تبن أو تفصح، أنت عندها أغلى منها، ومن أموال الدنيا، أنت عندها قلبها وكبدها وإن لم تخبرك بذلك، ويومًا ما، يوم أن تصيري أمًا ستدركين معنى الأمومة جيدًا.

لا تقولي: أمي غير، أو أمي متغيرة، أو أمي تفكر في المال أكثر مني، كل هذا وهم صنعه الشيطان في قلبك ونماه وأثمره، وإلا فأموال الدنيا كلها لا تساوي عند أمك ظفرًا من أظفارك.

أختنا: قد تكون الأم صريعة هلع على ابنتها -وهذا من حقها-، فأمٌّ ترى ابنتها قد نقصت معدلاتها، وأنت تعترفين أنك لم تذاكري جيدًا، من الطبيعي أن تفكر في السبب، ومن الطبيعي أن تقول ما قالته خوفًا عليك وحرصًا عليك، وحبُا لك وقلقًا عليك، لكنك فهمت الأمر على غير مراده، وأخطأت الظنّ في حقها، حتى عندما هلعت كان تفكيرك سلبيًا، ظننت أن الهلع سببه المال، وليس حبها لك أو خوفها عليك! وهذا منك عجيب.

أختنا: لا ننكر أن المال له تأثير بالغ على بعض الآباء والأمهات، لكن ليس بمفهومك، بل بمفهوم آخر دعينا نشرحه لك، لو قدر أن أحدًا ممن تحبينه كثيرًا مرض ويريد 1000 ريال، وليس معك من المال إلا 10، هل ستكونين طبيعيةً أم ستظلين تفكرين في المال، وكيف نجمعه والظروف المحيطة لك؟

التفكير هذا واقع لأنها تريد المعالجة، واقع لأنها لا تريد أن ترى شيئًا يضر ابنتها، واقع لأنها هي من تنفق وتعلم، كم هي صعبة الحياة بلا مال أو نفقة، غدًا ستعلمين كم كانت هذه الأم عظيمةً، وكم أخطأت في الظن بها.

وصيتنا لك: أن تتهمي نفسك أنت، وأنت تتعرفين على أمك من جديد، وأنت تتوبين إلى الله من الدعاء عليها؛ فوالله ثم والله ثم والله، إن رحيل الأم عن ابنتها كسرٌ لا يجبر، وسلي كل من فقدت أمها تنبئك الخبر.

أكثري من الدعاء لها بالعافية والصحة، واصطلحي معها فورًا، واعلمي أن الأم وإن أخطأت في الوسيلة، أو التعبير، أو التربية، إلا أنها لا يمكن أن تخطئ في المحبة أو القصد أو الغاية.

أنت عندها الأغلى وإن أخطأت من وجهة نظرك، أنت عندها أثمن الموجود في حياتها وإن لم تستطع أن تفصح، لو خيرت بين حياتك وحياتها لاختارك حياتك بأعلى صوتها.

نسأل الله أن يصلح قلبك، وأن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يثبتك على الطاعة، وأن يصلح ما بينك وبين والدتك، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً