الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعيش في دوامة من القلق والندم بسبب ما حدث لي في طفولتي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 19 سنة، تعرضت في صغري للتحرش الجنسي، وهذا الشيء دمر حياتي كلها، ومن بعد تلك الحادثة تعرفت على أمور لا يجب على الطفل معرفتها، ولم تكن لدي الجرأة لمصارحة أهلي، فكتمت الموضوع، ودخلت إلى عالم المحرمات والعادة السرية بسن صغير، وارتكبت العديد من الذنوب والممارسات الخاطئة مع بعض أقاربي قبل وبعد البلوغ.

بدأت رحلتي مع التوبة بعد إدراكي ذنوبي، ولكنني كلما تبت عدت مرة أخرى، فأصبحت أعيش في دوامة من القلق، عالقًا بين اللوم والاكتئاب والندم والخوف، وكلما تذكرت ما فعلته، لا أجد كلمة تصف مشاعري سوى العجز وقلة الحيلة، حتى أهملت صحتي.

أنا حاليًا أعاني من السمنة، وأقصر في الصلاة والعبادة، وتراودني أفكار انتحارية رغم رغبتي في التغيير، لكن كلما حاولت أشعر وكأن هناك جدارًا يمنعني من الوصول؛ بسبب صغر سني وصعوبة الحصول على العلاج النفسي، إضافة إلى خوفي من مصارحة أهلي برغبتي في زيارة الطبيب النفسي.

طوال هذه الفترة كنت أكتم كل شيء في قلبي، وأنا طالب ولدي مستقبل وأهداف، لكني لا أستطيع العودة إلى المسار الصحيح، وأشعر بالخوف من أن يعيرني الأشخاص الذين أخطأت معهم بأخطائي في المستقبل، فينهدم كل شيء.

هذا الوسواس دمرني ويشغل تفكيري، حتى إنني لم أعد قادرًا على التقدم خطوة واحدة، وأدمنت التدخين، وأبحث عن أدوية تخفف معاناتي النفسية، ساعدوني..

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في موقع استشارات إسلام ويب.

أولاً: إذا كنت بالفعل قد تبت وأقلعت عن الممارسات الشنيعة؛ فأقول لك: الحمد لله على ذلك، ويجب أن أهنئك وأشكرك كثيرًا، وأقول لك جزاك الله خيرًا على أنك قد ارتقيت بنفسك وحرّرتها من هذه الامتهانات ومن هذا الاستعباد.

الذي فهمته من رسالتك أنك قد تبت، وأن إشكالك الآن هو الشعور بالندم المتواصل، وقد نتج عن ذلك الاكتئاب والخوف والتوترات التي ذكرتها، لكن الذي استغربته أنك قد أدمنت التدخين، وهذا أيضًا باب من أبواب الشهوات، وهذا الباب يجب أن تغلقه -أيها الفاضل الكريم-، يجب أن ترتقي بنفسك وتطهرها، وتسمو بها.

الندم على اقتراف الذنوب السابقة هو أمرٌ جيدٌ جدًّا، طبعًا أنت بالفعل كنت في سِنٍّ لا تؤهّلك لأن تتفهم كل الذي يحدث، وحتى إن ساهمت فيه في بعض الأحيان بصورة لا شعورية أو شعورية؛ فأنت معذور، -وإن شاء الله تعالى- يُغفر لك، ونسأل الله لك العافية، وأنت في تلك الفترة كنت ضحية ولم تكن معتديًا، لكن الآن أي ممارسة من أي نوع فهي اعتداء، وأنا أقول لك إن اللوم -أي لوم النفس- واستمراريته لا بأس به؛ لأنه يثبت التوبة.

كل إنسان يحمل ثلاث نفوس في داخله: النفس الأمّارة بالسوء، والنفس اللومة، والنفس المطمئنة، وأي ممارسات خاطئة واقتراف للذنوب غالبًا تلعب النفس الأمّارة بالسوء فيها دورًا، وحين ينوي الإنسان على التوبة النصوح تُسانده النفس اللوّامة في ذلك، النفس اللوّامة نفس لطيفة، لكنّها قوية وشديدة التأثير على نفس الإنسان، وهي الجدار الحصين الذي يحمي الإنسان من الوقوع تحت تأثير النفس الأمَّارة بالسوء.

فظاهرة لوم النفس ظاهرة إيجابية؛ لأنها تساعدك على البُعد من الهفوات والانتكاسات والسقطات، -والحمد لله- أنت الآن فتحت صفحة جديدة مع نفسك وحياتك، انطلق في الحياة بكل قوة، اسمُ بنفسك، اجتهد في دراستك، يجب أن تكون لديك مشاريع مستقبلية، تسعى دائمًا نحو التميز، أحسن إدارة وقتك، حافظ على العبادات خاصة الصلاة على وقتها في المسجد، ويجب أن يكون لك ورد قرآني يومي، كن بارًّا بوالديك، كن مع الصالحين من الشباب، ولا تكترث أبدًا لموضوع أن أحدًا سوف يُعايرك بما حدث فيما مضى، لا، كانوا هم المخطئين، وهم أجبن من أن يُعايروك أو يُسيئون إليك، فاطمئنّ -أيها الفاضل الكريم-.

بالنسبة للدواء: لا بأس بعقار (بروزاك) والذي يُعرف باسم (فلوكستين)، سوف يساعدك ليحسّن من مزاجك، ويُقلل عليك القلق والتوترات الداخلية، وكذلك الوسوسة، هو دواء سليم، دواء فاعل، ويُناسب عمرك.

الجرعة هي أن تبدأ بكبسولة واحدة -20 ملجم- يوميًا لمدة شهرٍ، ثم اجعلها كبسولتين يوميًا -أي 40 ملجم-، وهذه هي الجرعة العلاجية، استمري عليها لمدة 3 أشهر، ثم انتقل إلى الجرعة الوقائية بأن تخفض الجرعة إلى كبسولة واحدة -أي 20 ملجم- يوميًا، لمدة 3 أشهر أيضًا، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناول الدواء.

كما ذكرتُ لك هذا الدواء من أفضل الأدوية، وهو غير إدماني، وغير تعودي، وقد يساعدك أيضًا في تخفيف الوزن، إذا قمت بترتيب الناحية الغذائية لديك، ومارستَ كذلك الرياضة.

لا بد أن تتوقف عن التدخين -أيها الفاضل الكريم-؛ لأن التدخين أيضًا يعمل من خلال مركز الشهوات، أو ما نسميه بعقل الزواحف أو العقل الحيواني عند الإنسان.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً