الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بعدم التوفيق في حياتي بسبب المعاصي، أرشدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب بعمر ١٧ سنة، أعيش في بلاد الغرب، وابتليت بحب مشاهدة الإباحية، منذ سن ١٤، وحاولت التوبة آلاف المرات، دائماً أعود وأنتكس، وأنا منتظم في صلاتي -والحمد لله- لكني أشعر أن قلبي أسود من كثر الذنوب التي اقترفتها.

في آخر سنة صرت مشتت التركيز عند المذاكرة، وأشعر بعدم التوفيق في أشياء كثيرة، أشعر أن الله يعاقبني علي ذنوبي، وقلبي يتقطع، وفي كل مرة أعود وأشعر بندم كبير جدّاً، لذلك لا أستطيع إكمال باقي مهامي اليومية.

صرت حزيناً جدًّا على نفسي، لأني كنت أتوقع من نفسي أشياء كثيرة، وكانت عندي أهداف كبيرة، فقدت ثقتي بنفسي، ولا أعرف ماذا أفعل.

أرجو منكم أن تنصحوني، وتدعوا لي بالتوبة والهدى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

بخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه، فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:

1- إنا نحمد الله إليك أن النفس التي بداخلك لا زالت لوامة، تلومك على فعل الشر، وأنت من النوع المثابر المتدين المقاوم للشيطان، وغير راضٍ عن هذا السلوك المشين، لكن الشيطان تغلب عليك، ولم تجد نفساً تصده، ولا تديناً يرده، ولا منهجاً يساعدك على التجاوز فحدث معك ما تحدثت عنه مما أحزننا كثيراً، لأنك لست من النوع السيء، يا عبد الرحمن.

2- اعلم أنك أنت الوحيد القادر بعد عون الله على التخلص مما أنت فيه، فلا بد أن تقتنع -يا عبد الرحمن- وتؤمن بأنك متى ما أردت التغيير وأخذت بالأسباب أعانك الله وثبتك، فالتغيير قائم، وأنت -بعد توفيق الله- يمكنك تحقيقه، المهم: الهمة والعزيمة، وتذكر أنك في مرحلة الشباب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله: شاب نشأ في عبادة الله، فالله الله في نفسك، لا يفوتك هذا الخير، واحذر أن يزرع الشيطان فيك اليأس فهذه طريقته.

نعم يا عبد الرحمن قد عصيت ربك، لكنك من ظاهر رسالتك نادمٌ، ومريد للخير، ولذا عليك ابتداء بعد القناعة الداخلية بأنك قادر على التغيير؛ أن تحدث لله توبة صادقة، لا تقل قد فعلت وعدت؛ بل قل: قد فعلت ونجحت فترة ثم انجرفت، والآن أعود أخرى.

لا تقل: هل يقبل الله توبتي؟ لأن الله سيقبلها منك، فباب التوبة مفتوح، فلا تظن بربك ظن سوء، فالله كريم غفور رحيم، وهو القائل: {‏‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} أي: يا عبادي الذين أكثروا على أنفسهم من الخطايا والذنوب لا تيأسوا من رحمة الله، ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) أي: إنه يغفر الذنوب جميعاً عظمت أم صغرت، كثرت أم قلت، بل زاد فضل الله وكرمه حين يبدل السيئات والموبقات إلى حسنات كريمات فاضلات، قال الله جل وعلا: {إِلَا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

3- من الأساليب التي يخدعك الشيطان بها كما خدع غيرك ولا يزال يفعل: أن يسرب إليك أن الشهوة أقوى منك، وأنك لن تستطيع دفعها، وأن الحل الوحيد هو التماشي معها! هذا كله كذب أخي الحبيب، بل نقول لك: الشهوة لا تموت بالعادة السرية، بل تزيد اشتعالاً بها، فاحذر أن يستدرجك من هذا الجانب.

4- إذا أردنا الحديث عن الطريقة السديدة في الإقلاع عن متابعة الأفلام الإباحية فإليك هذه العناصر التي يجب أن تسير معها في وقت واحد، لا تتوقف عن السير حتى وإن تعثرت مرة، قم وانهض وابدأ من جديد وحاول، وستجد الخلاص بعون الله، نرجو أن تقوم بهذه العناصر دفعة واحدة:

- الاقتناع الذاتي بأنك تقدر، فما لم يتم الاقتناع الداخلي فإن العلاج سيكون ناقصًا غير كامل.

- زيادة التدين عن طريق الصلاة، -الفرائض والنوافل- والأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله -عز وجل- واعلم أن الشهوة لا تقوى إلا في غياب المحافظة على الصلاة، قال الله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعًا أنه ابتعد عن الصلاة كما ينبغي، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأدّاها كما أمره الله أعانه الله على شهوته.

- اجتهد في الإكثار من الصيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

- ابتعد عن الفراغ عن طريق شغل كل أوقاتك بالعلم أو المذاكرة، أو ممارسة نوع من أنواع الرياضة، المهم أن لا تسلم نفسك للفراغ مطلقًا، واحذر أن تتجنب البقاء وحدك فترات طويلة.

- ابتعد عن كل المثيرات التي تثيرك، واعلم أن المثيرات سواء البصرية عن طريق الأفلام أو السماعية عن طريق المحادثات، أو أي من تلك الوسائل لا تطفئ الشهوة، بل تزيدها سعارًا.

- ننصحك باختيار الأصدقاء بعناية تامة؛ فإن المرء قوي بإخوانه ضعيف بنفسه، والذئب يأكل من الغنم القاصية، فاجتهد في التعرف إلى إخوة صالحين، واجتهد أن تقضي معهم أوقاتًا أكثر في الطاعة والعبادة والعمل المجتمعي.

- تجنب -أخي الحبيب- أن تجلس وحدك مطلقًا، ولا تذهب إلى جهازك الذي تشاهد منه تلك الأفلام إلا والباب مفتوح تمامًا، ولا تخلد إلى النوم إلا وأنت مرهق تمامًا.

ملاحظة هامة، أخي الحبيب:

- إذا غلبت شهوتك وأردت التغلب عليها فإن الأمر يبدأ من الذهن لا يبدأ من البدن، البدن مساعد ومساند والأساس في العقل والتفكير، لذا أشغل ذهنك دائماً بكل ما هو مفيد، وأشغل بدنك بالرياضة، بهذا تنتصر على شهوتك، بعون الله.
- ثقتك بنفسك باقية، وهي ستتمدد بمقدار ابتعادك عما أنت فيه، المهم أن تتقدم كما ذكرنا لك.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً