الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضاقت علي نفسي بعد وفاة طفلي!

السؤال

السلام عليكم.

لدي طفل ولد بعيوب خلقية في القلب، وكانت حالته مستقرةً حتى عمر 5 أشهر، ومع المتابعة مع الأطباء أعطوني تقريرًا طبيًا لإجراء عملية جراحية مستعجلة.

لم يكن ظاهرًا على ابني التعب إلا خفقان القلب بسرعة، مصحوبًا بتنفس سريع، وازرقاق الفم، وطلب مني مبلغًا لم أقدر على توفيره لإجراء العملية، فذهبت لطبيب آخر لأتأكد من صحة كلام الطبيب الأول، وفعلاً أقر الطبيب الآخر نفس الكلام والعملية، ولم يكن لدي خيار آخر.

الطبيب الذي قام بإجراء العملية لابني كان متدربًا لدى طبيب مشهور، ولكن ابني توفي، ومنذ وفاة ابني لم أستطع الاستمرار في حياتي، وأشعر بالهلع والخوف؛ لأنني بعد أن حضنت ابني سمعت صوتًا من فمه وكأنه آخر نفس.

لقد أوشكت أن أخسر نفسي من العذاب الذي أعيشه، وخاصةً مع حصول تقصير من جهة والد الطفل.

أرجو أن تساعدوني، كيف أخرج من هذه الحالة؟ فأنا أشعر بتأنيب الضمير.

جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –ابنتنا الكريمة– في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن يُعظّم أجرك، ويُخلف عليك خيرًا ممَّا فقدتِ، واعلمي –أيتها البنت الكريمة– أن الله سبحانه وتعالى يبتلي الإنسان بما يُحب بما يدّخره سبحانه وتعالى من الخيرات بعد هذا الابتلاء، وموت الولد وإن كان مصيبةً في ظاهره، لكنّ الله تعالى يريد بك الخير من حيث لا تشعرين، وقد جاء في الحديث الصحيح، أن أبا حسّان قال: "قدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ، فَما أَنْتَ مُحَدِّثِي عن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- بحَدِيثٍ تُطَيِّبُ به أَنْفُسَنَا عن مَوْتَانَا؟ فقالَ أبو هريرة: (نَعَمْ)، ثم حدثهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ -أَوْ قالَ: أَبَوَيْهِ- فَيَأْخُذُ بثَوْبِهِ أَوْ بيَدِهِ كما آخُذُ أَنَا بصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فلا يَنْتَهِي حتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ). [رواه الإمام مسلم وغيره].

فهذا الحديث فيه إخبار عن حال هذا الصغير الذي يموت، وأنه من أهل الجنّة، ينتقلُ فيها، وأنه يشفع أيضًا في والديه، فلا يدخل الجنة حتى يأخذ والديه معه، فيُدخله الله تعالى الجنة، ويُدخلْ معه والديه.

والأحاديث التي وردت في فضل مَن يموت له ولد أحاديث كثيرة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ، إلَّا تَحِلَّةَ القَسَمِ) [رواه مسلم]، وقال: (ما مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ، يَمُوتُ له ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إلَّا أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ بفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ) [رواه البخاري]، وقال: (أَيُّما امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ، كَانُوا حِجَابًا مِنَ النَّارِ، قالتِ امْرَأَةٌ: واثْنَانِ؟ قالَ: واثْنَانِ) [رواه البخاري]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَمُوتُ لإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ، إلَّا دَخَلَتِ الجَنَّةَ فَقالتِ امْرَأَةٌ: أوِ اثنانِ يا رسولَ اللهِ؟ قال: أوِ اثنانِ.) [رواه مسلم].

وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَن ماتَ له ثَلاثةٌ منَ الوَلَدِ، فاحتَسَبَهم؛ دخَلَ الجَنَّةَ، قال: قُلْنا: يا رسولَ اللهِ: واثنانِ؟ قال: واثنانِ)، قال محمودٌ: فقُلتُ لجابرٍ: أُراكم لو قُلْتم: واحدًا لقال: واحدٌ، قال: (وأنا واللهِ أظُنُّ ذلك).

وجاء في حديث آخر أن رجلًا أتى النبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ومعه ابنٌ له، فقال له: (أتحبُّه؟) قال: نعَم يا رسولَ اللهِ أحبَّكَ اللهُ كما أُحِبُّه، ففقدَه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما فعَل ابنُ فلانٍ) قالوا: يا رسولَ اللهِ ماتَ. فقال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأبيهِ: (ألا تُحبُّ ألَّا تأتيَ بابًا من أبوابِ الجنَّةِ إلَّا وجدتَه ينتظرُك؟ فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ ألهُ خاصَّةً أم لِكُلِّنَا؟ قال: (بل لكُلِّكُمْ).

فهذه الأحاديث وأمثالها –أيتها البنت الكريمة– تُبيِّنُ لك أن الله تعالى قد اختارك وقدَّر لك خيرًا كثيرًا، وإن كان موت الولد مؤلمًا ومصيبةً، لكن إذا نظرت إلى العواقب والنهايات فإن تلك النهايات والعواقب تُسلّيك وتُذهب عنك الحزن، ولم تقعي أنت في تفريط أو تقصير في حق هذا الصغير؛ فقد قمت بما ينبغي أن تقومي به من طلب الدواء والشفاء، ولكنَّ الآجال والأعمال بيد الله تعالى.

فلو فعلت ما فعلت فلن تستطيعي الزيادة في عمره، فكان سيموت في تلك اللحظة بذلك المرض أو بغيره، فأريحي نفسك من الأسف والتحسُّر على ما لا بد من وقوعه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُخلف عليك خيرًا، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أراد بك وبهذا الصغير خيرًا؛ فربما عاش حياةً مؤلمةً وناقصةً، وكان الموت خيرًا له من البقاء، فأريحي نفسك، وارضيْ بقضاء ربك.

نسأل الله تعالى أن يلهمك الصواب، ويُخلف عليك خيرًا ممَّا فقدت.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً