الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اقترفت ذنباً وأحسست أن براءتي وعفتي قد ذهبت!

السؤال

السـلام عليكـم
شكراً على هذا الموقع الجميل الذي ألجأ إليه عند شدتي وحيرتي.

لقد اقترفت ذنباً لا يجوز أن أفعله، وأحسست أن براءتي وعفتي قد ذهبت، وأصبحت أكره نفسي، وتبت إلى الله، والتزمت بصلاتي وأذكاري، ولكن أصبحت خائفة بشكل كبير أن لا يدوم ستر الله علي وأفضح أمام عائلتي.

في غضون شهر نقص وزني بأكثر من 7 كيلو، واعتزلت العالم لدرجة أني أردت قتل نفسي عدة مرات، فهل سيفضحني الله، ولا يدوم ستره علي؟ وماذا أفعل عندما أشعر بالضيق والخوف الشديد؟ وكيف أعلم أن الله تقبل توبتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نهال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – ابنتنا الكريمة – في موقعك استشارات إسلام ويب.
نشكر لك تواصلك مع الموقع وثناءك عليه، ونحن بدورنا نسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل مكروه وسوء، وأن يستر عليك في دنياك وآخرتك، وأن يُلهمك الصواب والتوبة والرجوع إلى الحق.

قد أحسنت – أيتها البنت الكريمة – حين تبت إلى الله ورجعت إلى الالتزام بصلاتك وأذكارك، وهذا من فضل الله تعالى عليك، فإن الذنب قد يُقدّره الله تعالى على الإنسان ليردّه إلى الخير، فأكثري من ذكر الله تعالى وشُكره على نعمة الهداية والتوبة، فإنها نعمةٌ جليلة.

أمَّا ما وقعت فيه من الذنب فإن إصلاحه إنما يكون بالتوبة الصادقة أولاً، والستر على نفسك، فتوبي إلى الله تعالى، واعلمي أن الله يقبل التوبة عن عباده، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25]، وقال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

أخبر سبحانه وتعالى بأنه يُبدّل سيئات التائب حسنات، كما في آخر سورة الفرقان، فقال: {وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68-70].

قال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135-136].

أخبر سبحانه أنه من يتوب إليه من قريب يتوب عليه، فقال: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 17].

الآيات في هذا المعنى كثيرة جدًّا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، ويقول: (التوبة تجُبُّ ما قبلها)، واعلمي أن الله سبحانه وتعالى رحيمٌ بك، فما دام قد سترك في الدنيا فإنه سيُديم عليك الستر في الدنيا والآخرة، فقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا ‌يَسْتُرُ ‌اللهُ ‌عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [رواه الإمام مسلم].

افرحي بفضل الله تعالى ورحمته الذي وفقك للتوبة، وستر عليك إلى الآن، واحذري من أن يجرّك الشيطان إلى ذنبٍ لا يُفيدُك الندم بعده، فاحذري أن يجرّك إلى قتل نفسك، فإن قاتل نفسه في النار، يتألَّم ويتوجّع بنفس الطريقة التي قتل بها نفسه، خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

الانتحار إنما هو انتقالٍ من عذابٍ خطير إلى عذابٍ أشد دائم، والشيطان يتمنّى هذا، فاحذري أن يظفر منك بهذه الأُمنية، فإن ذنبك مهما عظم فإن رحمة الله أوسع، وقد قال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156].

أحسني ظنّك بالله، وتوبي إليه توبة صادقة بالندم على الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع الإقلاع عنه، وخذي بالأسباب التي تُعينك على تثبيت هذه التوبة، ومن أهمها الرفقة الصالحة، فحاولي أن تتعرفي على النساء الصالحات والفتيات الطيبات، وتقضي معهنَّ أوقاتك، وتملئي أوقاتك بما يعود عليك بالنفع في دينٍ أو دنيا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُتمّم نعمته عليك بالستر الجميل، والهداية إلى كل خير، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً