الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متردد بين العمل وتركه للاعتناء بوالدي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أبي كبير في السن، فهو بعمر٧٠ سنة، ويعاني من مرض نادر ومزمن، يمنعه في أغلب الأحيان من القدرة على تجهيز الطعام لنفسه، يسكن في جزيرة شبه نائية، وليس هناك حوله أي أحد من أفراد العائلة، ويرفض السكن بالمدينة المجاورة التي فيها أفراد من العائلة يمكنهم الاعتناء به، لكنه لا يرتاح فيها أبدًا ويمرض أكثر هناك، وأنا أعيش وأشتغل في تركيا، وأفكر في ترك شغلي والرجوع إلى بلدي للاعتناء بوالدي، لكن فرص الشغل شبه منعدمة، علمًا أني بعمر ٣٠ سنة.

أقول في بعض الأحيان: الله الرزاق، وإذا فعلت -إن شاء الله- سيرزقني من حيث لا أحتسب، لكني أخاف أن أقفل باب رزقي الحالي. أطلب منكم النصيحة، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك - أخي الكريم - في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله المعين.

أخي الكريم: نحن معك في أن تركك للعمل أمر قاس عليك، وستكون الصعوبة قائمة في البحث عن عمل آخر، هذا أمر متفهم، لكن السؤال: هل لو مات الوالد -حفظه الله- سيمكنك أن تعوضه؟ هل يمكنك أن تسامح نفسك وأنت تعلم أن هذا الوالد الذي ضحى لأجلك، وفعل ما ينبغي لأجل إسعادك، وهو الآن في أقسى مراحل ضعفه، فهل في هذا الوقت يصلح الحديث عن الأولويات والموازنات -أخي عمر-؟!

أخي: إن بِرِّك بأبيك واجب عليك، وهو أحد الأبواب المشروعة لكسب مرضاة الله تعالى عليك، فلا يغلبنك الشيطان على هذا الفضل ولا يحول بينك وبين بِرِّك بأبيك حائل، فالبار - أخي - يبارك الله له في عمره ورزقه، وتكفّر سيّئاته، وتضاعف حسناته، وينال رضا ربّه، ويدخله الله الجنّة بإذنه، وينجيه من النار، فرضا الله تعالى من رضا الوالدين، وبهما ينال العبد أجر الجهاد في سبيل الله، ففي الحديث الشريف عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: (أَقْبَلَ رَجُلٌ إلى نَبِيِّ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ - فَقالَ: أُبَايِعُكَ علَى الهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ اللهِ، قالَ: فَهلْ مِن وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قالَ: فَتَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ اللهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَارْجِعْ إلى وَالِدَيْكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا).

أخي الكريم: إن بر الوالدين من كمال الإيمان، وهو من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه، وسببٌ في انشراح الصدر والنّور التامّ في الدنيا والآخرة، وسببٌ لمغفرة الذنوب، للحديث الذي رواه ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فقالَ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أصَبتُ ذنبًا عظيمًا فَهَل لي مِن تَوبةٍ قالَ هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: لا، قالَ : هل لَكَ من خالةٍ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فبِرَّها).

أخي الكريم: إن البر أخي يكسب صاحبه بركة العمر والرزق معا فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ سَرَّه أنْ يُعظِمَ اللهُ رِزْقَه، وأنْ يَمُدَّ في أجَلِه، فَليَصِلْ رَحِمَه).

لذا نوصيك أخي بما يلي:
1- أخذ إجازة والذهاب إلى الوالد ومحاولة إقناعه بهدوء بأن يذهب إلى مكان أقرب لعملك أو أقرب لأهلك يستطيعون خدمته فيه.
2- إذا تعذر ذلك فابحث عن أحد من أهلك يمكث معهم، إن تعذر ذلك عليك على أن تكون متابعا للوالد مطمئنا عليه.
3- إن تعذر ذلك فابحث عن زوجة له في الجزيرة تلك أو أحد يساعده بحيث يكون التواصل معك دائما وتكون متابعا حالته.
4- إن تعذر كل ذلك فاترك عملك واذهب إلى والدك وافتح باب رزق ولو بسيط، وكن بجواره تحظى بمرضاة الله أخي الكريم.

نسأل الله أن يحفظه لك، وأن يشفيه، وأن يعافيه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً