الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما تفسير الضيق الذي أشعر به عند دخولي للمنزل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سبق وراسلتكم فيما يخص قصتي مع والدي، وأنه لا يتحملنا أنا وأمي، وحصلت العديد من المشاكل معه، لكن لا أعرف إن كانت حالتي هذه بسبب كبتي لمشاعري من ناحيته، أم لا، لهذا سأحاول أن أختصر.

منذ أعوام وأنا أعاني من حالة لم أجد لها تفسيراً، عندما أخرج من البيت وأذهب لأي مكان أكون بخير وصحة جيدة، ولكن عند عودتي وبمجرد الدخول من الباب، أحس بضيق وخنقة، ورغبة شديدة في البكاء، وأنفجر أحياناً باكية بدون سبب، لدرجة أنني أحاول التوقف، ولكن وكأن شيئاً يمنعني، لا أستطيع تحمل أي أحد من الموجودين في البيت، ولا حتى سماع صوتهم، خصوصاً أبي، دائماً أتشاجر معه، ومثلما يحدث لي عند البكاء، لا أستطيع التحكم في نفسي، أحاول ألا أتكلم، ولكن دون جدوى.

أشعر بآلام شديدة في أطراف يدي، وأحس أن ناراً تشتعل بهما، وأحيانا تزرق يداي ولا أستطيع التحكم بهما، ولا أستطيع القيام بأي عمل في المنزل.

ذهبت إلى الطبيب وأجريت التحاليل، وكلها جيدة، وجربت الرقية الشرعية، وقالوا لي: إنه سحر ربط، ولكن لم أستطع إكمال الرقية، وأبي يرفض تماماً المجيء براقٍ للبيت، خصوصاً وأن هذه الحالة تصيبني فقط عند عودتي للبيت.

أنا أصلي وأعاني جاهدة للحفاظ على الصلاة والأذكار، لكني أحياناً لا أستطيع من شدة الإجهاد والثقل اللذين يصيبانني، ولقد تعبت من هذه الحالة، أريد التخلص منها، خصوصاً ألم اليدين، ولا أعرف ماذا أفعل، أرجو أن تساعدوني من فضلكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب.

أجابك الدكتور/ أحمد المحمدي -حفظه الله- بتاريخ 2023/11/12 وذلك على استشارتك التي رقمها (2525250) فأرجو أن تكوني -أيتها الفاضلة الكريمة- قد طبّقت ما ذكره لك من إرشاد وأخذت به، وأنا أقول لك: الآن أنت تتحدثين عن حالة نفسية مُعيّنة، وهي شعورك السلبي جدًّا، وما يُصيبك من قلق وانزعاج وعُسر في المزاج، واضطراب عام حين تدخلين بيتكم، وفي خارج البيت تكونين في استقرارٍ نفسي وجسدي.

أيتها الفاضلة الكريمة: أعتقد أن هذا الذي يحدث لك سببه قطعًا حالة التشاؤم والمشاعر السلبية التي بُنيت لديك بمرور الأيام حول علاقتك بوالدك، مشاعر الإنسان ترتبط بالأشخاص، وترتبط بالمكان، وكذلك ترتبط بالزمان، فالذي يظهر لي أن العقل الباطن لديك أصبح مليئًا ومتكدِّسًا بهذه المشاعر السلبية حول والدك وحول أسرتك.

أيتها الفاضلة: لابد أن تُغيري مشاعرك حول والدك، نعم برّه فرض وواجب عليك ولا شك في ذلك، والمبالغة في المشاعر السلبية حيال الوالدين نحن نعترض عليها تمامًا، مهما كانت منهجية التربية غير صحيحة، نحن نؤمن إيمانًا قاطعًا بأن حُب الوالدين لأبنائهما هو أمرٌ غريزي وجِبلِّي، لكن قد تختلف المناهج التربوية، وتختلف مناهج التعبير.

أنا هنا لا أقرُّ ولا أؤيّد المناهج الخاطئة والقاسية المختلفة، لكن وددت فقط أن أوضح لك حقيقة مهمّة جدًّا، وما ذكره الدكتور أحمد المحمدي يُعتبر مهمًّا جدًّا في هذا السياق.

فإذًا أنت محتاجة لأن تقومي بإعادة النظر في أفكارك حول أسرتك، حتى تقطعي تمامًا علاقة الزمان والمكان والأشخاص بمشاعرك.

لديك مشاعر سلبية كبيرة -كما ذكرت لك- حيال والدك، وهذا الربط طبعًا مربوط بالبيت، البيت يحتويك أنت وأسرتك، وعليه يجب أن تُغيّري أفكارك، هذه الحقيقة مهمّة جدًّا.

والحقيقة الثانية: ألَّا تُحضّري نفسك نفسيًّا ووجدانيًا أنه متى ما خرجت من البيت وعند العودة إليه سوف تحدث لك هذه المضايقة، ما حدث في مرة سابقة ليس من الضروري أن يحدث الآن، أو في المستقبل، فإذًا يجب أيضًا أن تكوني حريصة ألَا تقعي فيما نسميه بالقلق المتوقع، أو التشاؤم المتوقع، أو المخاوف المتوقعة، هذا لا نريده لك أبدًا.

وحين تدخلين بيتك عليك بالدعاء، أن تقولي: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، ‌بِسْمِ ‌اللَّهِ ‌وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا)، ثُمَّ تُسَلِّمي عَلَى أَهْلِك وأسرتك، وتقولي: {رب أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ}، وتقولي أيضًا دعاء الخروج من البيت، يصلح أن يُقال في مثل هذا الوضع: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ‌أَنْ ‌أَضِلَّ، ‌أَوْ ‌أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ، أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)، وأن تكوني متفائلة أن هذا هو بيتك، وهذا هو مكانك، وأيضًا حاولي بصفة عامة أن تُحسّني من درجة التواصل الإيجابي مع والديك.

موضوع السحر وخلافه: نحن نؤمن بوجود السحر، لكن من وجهة نظري هذه الأشياء نفسية في المقام الأول، وأسأل الله تعالى أن يحفظك، وحافظي على صلواتك، وعليك بأذكار الصباح والمساء، وعليك بالورد القرآني اليومي، والله تعالى خيرٌ حافظًا، ولا بأس بمتابعة الرقية الشرعية، بأن ترقي على نفسك بفاتحة الكتاب والمعوذات وآخر آيتين من سورة البقرة، وآية الكرسي، والأدعية الثابتة على نبينا صلى الله عليه وسلم؛ ففي الرقية خير سواء كان هناك سحر أم لم يكن.

شيء أخير مهمٌّ جدًّا، وهو: أن تصرفي انتباهك عن هذه الأفكار، بأن تشغلي نفسك بما هو أفيد بالنسبة لك، ويجب أن تكون لك أهداف وتضعي الآليات التي توصلك إلى أهدافك، بهذه الكيفية تكونين قد صرفت نفسك تمامًا واهتمامك عن موضوع التشاؤم والتخوف حين تدخلين بيتكم.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً