الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالات المخاوف المتعددة وتأثير الوراثة والتأثر بالآخرين فيها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد ولادتي لابني الأول، نزل عندي مستوى الدم، وأصبحت أعاني من الأنيميا، وسمعت من إحداهن أن الأنيميا تسبب الدوخة، ومن بعد هذا الكلام أصبحت أتوهم أني دائخة وغير متزنة، وأصبحت لا أستطيع السير لفترات طويلة وحدي، وأحب أن أرتكز على الكرسي، أو الأشياء الثابتة.

علماً أنني في داخلي أعرف أنني غير دائخة، فلو كنت دائخة لوقعت وانتهى الأمر! لقد أصبحت لا أستطيع الخروج إلا مستندة على شيء كعربة ابني، أو ممسكة بيد أحد، كذلك أصبحت هذه الفكرة تلازمني في الأفراح والمناسبات والزيارات الاجتماعية، وكلما كان المكان أكبر والصوت مزعجاً والناس كثيرون شعرت بالدوخة أكثر، مع تعرق في الأطراف حتى أنني أصبحت لا أستقر في مقعدي، وأتمايل يمينا ويسارا، لقد أصبحت غير ثابتة على العكس في السابق، حيث كنت طبيعية ومنطلقة جداً.

كذلك أعاني من الخوف من الطائرة، فكلما يحدثني زوجي بأننا سوف نسافر، أتظاهر بالفرح، ولكنني أكون خائفة في داخلي، وقبل السفر أكون متنرفزة، وفي المطار يبدأ قلبي بالخفقان، وأتعرق جداً وأتنفس بصعوبة وأشعر أنني سوف أموت؛ فأنا أخاف المرتفعات جداً، وأخشى أن تسقط الطائرة وأموت.

في الحقيقة أنا أخاف كل شيء، وأمي هي التي زرعت فينا الخوف؛ فهي إنسانة تخاف الطائرات، فأصبحت أسمع منها حتى صرت مثلها، أشعر أنني محبطة! لا أمارس حياتي طبيعية! أشعر أنني مثقلة بالهواجس والخوف وأخشى المرتفعات؛ لأن أختي تخافها، وكلما سمعت أحدهم يخشى شيئاً أصبحت مثله.

أرجوكم! ساعدوني، أرجوكم؛ فأنا جد متعبة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ زينة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالمخاوف من الأمراض النفسية منتشرة جدّاً، وتمثل حالتك المثال الحي على أن المخاوف هي اضطراب سلوكي متعلّم، بمعنى أنه مكتسب، فارتبطت الدوخة لديك بأنك مصابة بالأنيميا أو فقر الدم، وهذا يعرف بالارتباط الشرطي، أي أن المسبب الأساسي ربما يكون مسبباً منطقياً للدوخة، حتى وإن لم يوجد، وهذا الارتباط أدى إلى شعورك بهذه الدوخة.

ومن الواضح أيضاً أيتها الأخت الفاضلة، أنه أصلاً لديك بعض الاستعداد والقابلية للمخاوف، فأنت تعانين من عدة مخاوف، ولكنها في الحقيقة -وأرجو أن تطمئني- حيث إنها جميعها ذات منشأ واحد.

نحن لا ننكر دور الوراثة في حالات الرهاب بأنواعه المختلفة، ولكن لا نستطيع أن نقول هنالك وراثة حقيقة للمرض ذاته، إنما الوراثة هي الاستعداد للحالة، ووالدتك تعاني من المخاوف – كما ذكرتِ – أرجو أن تتأكدي تأكداً قاطعاً أن المخاوف يمكن أن تعالج وتختفي وتنتهي؛ حيث إنها متعلَّمة أو مكتسبة، والشيء المتعلم أو المكتسب يمكن أن يفقد بآليات تعلم جديد مخالف للتعلم الأول.

ومن هنا يرى علماء النفس أن على الإنسان أن يعمل ضد مخاوفه دائماً، يستبدل المخاوف بشعور أو فعل معاكس لها ويركز على ذلك ويزيد من قناعاته، ربما تقولين لي إن هذا الأمر سهل من الناحية النظرية، ولكن صدقيني – أيتها الفاضلة – أنه أيضاً سهل من الناحية العملية إذا طبقه الإنسان والتزم به وكان بالفعل لديه إرادة التغير.

المشكلة مع الإخوة والأخوات الذين يعانون من المخاوف، دائماً تأتيهم مشاعر مبالغ فيها، دائماً يضخمون ويجسمون هذه المخاوف، ويكون لديهم الخوف من الإحراج أو السقوط أمام الآخرين، أو أنهم مرصودون من قبل الآخرين.

أرجو أن أؤكد لك أن هذا ليس حقيقة مطلقاً، وهذا أمر ضروري جدّاً في العلاج، أن المشاعر التي تأتيك هي مشاعر مبالغ فيها، وهذا مهم.

والذي أرجوه منك هو أن تكتبي في ورقة كل المخاوف التي تعانين منها، ثم تبدئي وتقولي مع نفسك: هذه حقيرة هذه ليست واقعية، لماذا أخاف أنا.. ثم بعد ذلك استبدلي الفكرة التي تكوّن المخاوف بفكرة مضادة لها، تكون قائمة قطعاً على الطمأنينة.

أرى أن حالتك سوف تستجيب استجابة كبيرة للعلاج السلوكي إذا تم تطبيقه؛ على سبيل المثال: أنت لديك الخوف من المرتفعات، أرجو أن تذهبي لأي مكان به بناء مرتفع، اذهبي واصعدي حتى الطابق الأول وظلي في ذلك المكان وانظري إلى الأرض عدة مرات – يجب ألا تقل عن نصف ساعة – وفي اليوم الثاني احضري وكرري نفس التمرين، ولكن في اليوم الثالث يجب أن تصعدي إلى الطابق الثاني وتظلي تتأملين وتنظرين إلى الأرض... وهكذا.

هذا هو العلاج السلوكي التدريجي وهو مفيد جدّاً، الطائرة لماذا تخافين من الطائرة؟ كل خلق الله تركب الطائرة إذا أتيحت لهم الفرصة، والطائرات حقيقة أسلم من السيارات، وحتى إذا حدث أي شيء للطائرة فهذا هو قدر الله.

إذن أنت محتاجة لإجراء حوار ذاتي مع نفسك وإقناعات داخلية، وصدقيني أنه بالاستمرارية والمثابرة على هذا النمط من التفكير السلوكي سوف تجدين فائدة كبيرة.

الشق الثاني في العلاج وهو مهم جدّاً: هو تناول الأدوية، ومثل حالتك تستجيب بصورة عظيمة للعقار الذي يعرف باسم زولفت، أرجو أن تتناولي هذا العقار بمعدل حبة واحدة – وقوتها هي 50 مليجرام – تناوليها ليلاً بعد الأكل، وبعد أسبوعين ارفعي الجرعة إلى حبتين في اليوم، يجب أن تستمري عليها لمدة سبعة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى حبة واحدة لمدة ثلاثة أشهر أخرى.

هنالك دواء إضافي لا يعتبر أساسياً ولكنه مساعد لهذا الدواء، هذا العقار الذي يعرف باسم إندرال، أرجو أن تتناوليه بجرعة 10 مليجرام صباحاً ومساء لمدة شهرين، ثم تخفضيه إلى 10 مليجرام يومياً لمدة شهر، ثم بعد ذلك يمكنك التوقف عنه، ولكن لا مانع من استعماله عند اللزوم إذا لزم الأمر.

أعرف كثيراً من الذين يعانون من الخوف من المرتفعات، وخاصة ركوب الطائرات، يتناولون الإندرال بجرعة 20 إلى 40 مليجرام، ثلاث إلى أربع ساعات قبل السفر، فهو يعطيهم الشعور بالطمأنينة، ويقلل من الشعور بخفقان القلب، والرعشة والتعرق والشعور بالانقباض في الصدر.

أرجو إذن أن تتبعي الإرشادات السلوكية السابقة، وتتناولي العلاج الذي وصفته لكِ، وأنا على يقين كامل بإذن الله تعالى، أن الأمور سوف تتغير وتتبدل بصورة إيجابية جدّاً.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً