الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع أهل زوجتي وهم يخبرونها بكل أمورهم؟

السؤال

السلام عليكم،

أنا متزوج مغترب منذ 9 سنوات، لدي ابنتان؛ الأولى بعمر 5 سنوات، والثانية حديثة الولادة (شهر واحد) مشكلتي أن أهل زوجتي، -خاصة والدتها وأختها الكبرى- يخبرونها بكل صغيرة وكبيرة تحدث معهم بين الحين والآخر، حتى لو كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل عندنا، وكانت لديهم الساعة 6 صباحًا، فإنهم يرسلون رسائل، وزوجتي تقرؤها في الصباح، وهذا من حين زواجنا.

تحدثت مع زوجتي وطلبت منها أن تخبرهم بعدم إرسال جميع مشاكلهم إليها، لأن المسافة والوقت غير مناسبين للتحدث، خاصة أن هذه الأمور لا يمكن حلّها عن بُعد، فوالد زوجتي يعيش حياته منعزلًا في الجبل، ولا يقوم بمسؤولياته الزوجية منذ أكثر من 12 عامًا؛ فلا يسدّد الفواتير، ولا يشتري حاجيات المنزل، ولم يطلّق زوجته (والدة زوجتي) طلاقًا صريحًا، ولم يعطها حقوقها منذ 10-15 سنة.

بما أن هذه المشاكل لا يمكن حلّها بمجرد اتصالات، فإن زوجتي تحزن كثيرًا، وفي كثير من الأحيان، إذا أعطت رأيها وكان غير مناسب لوالدتها وأختها، فإنهما تتهجمان عليها.

تحدثت مع أخت زوجتي منذ 4 سنوات، وطلبت منها ألا تخبر زوجتي بأمور ليس لها قدرة على حلّها، على سبيل المثال: عندما كان جد زوجتي مريضًا بفيروس كورونا، كانت أختها تخبرها في كل دقيقة عن حالته، فتقول: "ارتفعت درجة حرارته، نزلت درجة حرارته، لقد فتح عينيه، لقد أغمضهما!" والله أنا لا أضخّم الأمور، ولكن هذه هي الحقيقة.

أخت زوجتي توقفت لمدة أسبوع، ثم عادت إلى عادتها، وبعد ذلك، أخبرتني أن زوجتي مرهقة نفسيًا بسبب ابنتنا ذات السنتين آنذاك، لأنها بجانبها طوال اليوم، إلى جانب مسؤولياتها اليومية، مما جعلها سريعة الغضب، وتصرخ في وجهي أنا وابنتي لأي سبب بسيط، إذا لم تسر الأمور كما تريد، فإنها تنفجر غضبًا في وجوهنا، وتبحث عن أبسط الأمور لتلقي علينا اللوم وتصرخ.

هذه الظروف أصبحت ثقيلة عليّ إلى درجة أنني فكرت في الطلاق، لكنني أخشى أن تتضرر بناتي، أود التحدث مع عائلة زوجتي وأطلب منهم عدم إخبارها بكل شيء، لكني أخشى أن يخبروها، فتغضب بشدة، خاصة أنني طلبت منها سابقًا أن تطلب من أختها التوقف عن نقل الأخبار العاجلة، لكنها استشاطت غضبًا حينها، فهل تنصحوني بأن أقدّم مصلحة ابنتيّ وأتحمّل، أم أُطلّق زوجتي؟ إن زوجتي تزعم بأني تغيّرت، لكن كلما تحدثت معها عن هذه المشكلة، تتهمني بأنني أرى العيب في أهلها وليس في نفسي، فما الحل؟ هل أطلقها؟

إن لأرجو من الله أن يحفظ بناتي، وأخشى أن أقع في الحرام بسبب عدم قدرتي على إعطائها حقها الشرعي في ظل هذه الظروف، فهل أتحدث مع أهل زوجتي وأفوض أمري إلى الله، مهما كانت ردّة الفعل أم أصمت وأتحمّل قهرًا؟ أفيدوني.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أميم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب.

واضح جدًّا -أيها الحبيب- أن سؤالك كلّه مبعثه ومنشؤه اهتمامك بزوجتك، وحرصك على الإحسان إليها، وتخفيف معاناتها، واهتمامك أيضًا بأفراد أسرتك، وهذا خُلق جميل، وأنت -بعون الله تعالى- مأجور على اعتنائك بأسرتك وحرصك على الإحسان إلى زوجتك، وتخفيف المعاناة عنها.

لا ينبغي الإفراط والزيادة في الحرص على تجنيب الزوجة كل مظاهر المشقة أو العناء، فإن هذه الحياة طبيعتُها التي جبلها الله تعالى عليها، أنها لا تخلو من الأكدار والمنغصات، وزوجتُك لا بد أن ينالها شيءٌ من هذا، كغيرها من الناس، فلا ينبغي أن تنزعج كثيرًا إذا تعرضت زوجتُك لشيءٍ من المنغِّصات في حياتها، وحاول تجنُّب الآثار التي قد تنشأ عن سلوكها عندما تحزن أو تغضب.

ننصحك أولًا باستبعاد فكرة الطلاق تمامًا، فإن الطلاق هدم للأسرة بعد بنائها، وتشتيت للأبناء والبنات، وتعريضهم للتنشئة في أجواء غير مستقرة، ممَّا قد يُؤدي إلى آثار سيئة في أخلاقهم، أو آثار سيئة على نفسياتهم، فالإحسان إليهم يقتضي أن تصبر على زوجتك، لا سيما وأن الظاهر من كلامك أنك تُحبُّها، وأنه ليس فيها ما يدعوك إلى طلاقها، سوى هذه اللحظات من غضبها حينما تتعرَّض لشيءٍ يُكدّر عليها حياتها.

لذلك نحن ننصحك بأن تستبعد فكرة الطلاق، فإنها في مثل حالتك مفسدة خالصة، لا مصلحة من ورائها، فاصبر، واعلم بأن الله سبحانه وتعالى يُثيب الإنسان على قدر صبره، و(إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) كما قال الله تعالى في كتابه الكريم.

أمَّا بشأن أهل زوجتك فلا مانع من أن تطلب منهم بلينٍ ورفقٍ أن يتجنّبوا إزعاج زوجتك، بما يُؤلمها ويُؤثّر على نفسيتها، ويمكن أن تُبيّن لهم برفق بما يُقنعهم بأنها وحيدة وفي غربة، وأنها تُحبُّهم وتتألَّم لأجلهم، وتُبيِّن لهم حقيقة الحال، بأن ذلك يعود بالأثر السيئ على الأبناء والبنات، ويغلب على الظنِّ أنهم سيتفاعلون معك، فإن الأهل في الأصل يُحبُّون ابنتهم، ويحرصون على سعادتها وتخفيف المعاناة عنها، وإذا حصل خلاف ذلك، فلا ينبغي أن تُحمّل الأمور أكثر ممَّا تحتمله.

حاول أن تُقنع زوجتك بأن هذه الحياة لا بد فيها من أكدار، وأن الناس لا بد أن تنزل بهم آلام ومصائب، وأن الله تعالى إنما يُقدِّرُ ذلك لحكَمٍ ومصالح، فنبغي أن نتقبّل ما يُقدّره الله تعالى برضًا، وأن نُدرك أن الله سبحانه وتعالى حكيم، ورحيم فيما يُقدّره على عباده.

بهذا النوع من الفهم والتعاطي مع الأمور، ستجد أن نفسية زوجتك تتغيّر، وعندما تسمع بأمرٍ مكروهٍ قد نزل بأهلها؛ فإن انفعالاتها ونفسيتُها ستتغيّر عمَّا كانت عليه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً