الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أوضاعي صعبة بسبب خيانة الأصدقاء، والديون التي تثقل كاهلي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 31 عامًا، أعمل مهندسًا في مجال الاستشارات الهندسية، في إحدى الدول العربية. كان لي صديقان، واتفقنا على إنشاء شركة مقاولات لتحسين دخلنا، تم توثيق عقود الشركة كاملة باسمي، وكنت مديرًا لها. رزقني الله بمشروعين، وإن كانا غير كبيرين، ولكنهما كانا بداية جيدة في سوق العمل. عملنا بجدٍ، وحظينا بسمعة طيبة.

أخذ صديقاي مبالغ مالية على سبيل السلفة، ثم اختفيا فجأة وغادرا البلاد. اضطررت لإكمال الأعمال بمفردي، وكنا لا نستطيع البدء في أي مشروع إلا بتوفر سيولة مالية. اقترضت قرضًا من البنك، وبدأت العمل في المشروع.

بعد مغادرة صديقاي، احتجت إلى المال لإكمال المشروع، ولم يكن أي منهما موجودًا. عانيت من مشاكل مالية وعدم قدرتي على تدبير الأموال واقترضت قروضًا أخرى، وأكملت المشروع وسلمته بالكامل، ولكن لم أحقق أي ربح أو دخل.

لم نحصل على مشاريع جديدة سوى أعمال بسيطة سرعان ما انتهينا منها. كانت جميع المبالغ تُصرف على سداد القرض. الآن، لا توجد مشاريع جديدة، وأنا مرهق وغارق في الديون، ولا أعرف ماذا أفعل؟!

فكرت كثيرًا في العودة إلى العمل كموظف، ولكن الراتب لن يكفي لسداد الديون. هل يجب عليَّ أن أستمر في العمل وأسعى لتسديد الديون؟

لقد تبت إلى الله بسبب لجوئي إلى القروض، وأسأله أن يهديني ويفرج همي. المشكلة أن الديون كثيرة، وأنا مسؤول عن زوجتي وابنتي، ولا أعرف كيف سنتدبر أمورنا مع كثرة المطالبات.

لي مبالغ مالية مستحقة لدى الغير، ولكن هناك تأخيرات في تحصيلها، ولا توجد مشاريع جديدة. ماذا أفعل لكي أتوب وأسدد ديوني بالكامل، ويرزقني الله بمشاريع جديدة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يقضي دينك، وأن يفرج همك، وأن ييسر ما تعسر عليك، إنه جواد كريم.

بالطبع نحن نفهم حديثك جيدًا، ونتفهم كذلك الوضع الذي وقعت فيه، ومن رحمة الله الكريم أنك خرجت من المشروع وأتممته، فإن البعض ممن راسلنا لم يستطع الفكاك ولا الانتهاء، وبعضهم تم سجنه، وبعضهم أصابته الأمراض فأقعدته، فالحمد الله أن يسّر أمرك، وأخرجك من هذه المشكلة بأقل الخسائر.

ثانيًا: لا يخفاك (أخي) خطورة الربا على الفرد والمجتمع، ووعيد الله لهم، فقد قال الله: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ كما أن البركة من الربا منعدمة، قال الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾، والمحق بمعنى الإبطال، وقد فُسر بإذهاب وإزالة بركة هذا المال، حتى وإن كثر في يده، تنزع منه البركة فلا يفي بحاجاته ومطالبه، ولا يحصل مطلوبه ومقصوده، والتعبير بالفعل المضارع (يمحق) يدل على أن هذا المحق يتجدد، فلكل آخذ للربا نصيب من هذا المحق، وما أنت فيه -أخي الكريم- عقوبة، ولعل فيها الخير لك، فحساب الدنيا أهون من الآخرة.

ثالثًا: قد ذكرت وضعك حيث إنك بلا عمل، والمشاريع متوقفة، وعليه فإننا ننصحك بما يلي:
1- استشارة أهل الخبرة في ذلك، وتوسيع دائرة المعارف، خاصة أولئك الصادقين، وإن كانوا قليلًا.
2- تقليل النفقات على الحد الأدنى، فهذه الأزمة لابد من ترشيد التعامل معها.
3- البحث عن عمل، حتى ولو وظيفة، مع الاهتمام بالعمل الخارجي، ولكن لتلك الظروف اجعله في وقت فراغك.
4- ننصحك بالتوبة والعزم على عدم العودة، فإن العبد إذا تاب من الذنب تاب الله عليه.

5- خذ بالأسباب التي توسع الرزق ومنها:

- التقوى: فهي من الأسباب التي تُفرِّج الكروب، وتَجلِب الرزق؛ لقول الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ وقال عز من قائل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾.

- كثرة الاستغفار: قال تعالى على لسان نوح عليه الصلاة والسلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾.

- الدعاء: فقد جاءتْ فاطمة إلى رسول الله (ﷺ) تسأله خادمًا، فقال لها: «قُولِي: اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، ‌أَنْتَ ‌الظَّاهِرُ ‌فَلَيْسَ ‌فَوْقَكَ ‌شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخَرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ» [رواه ابن حبان].

- التوكل على الله: ومعنى التوكل بذل الأسباب مع اليقين الجازم فيما عند الله، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ ‌حَقَّ ‌تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» [رواه الترمذي]. فالتوكُّل سبب عظيمٌ لجلب الرزق!

- صلاة الضحى: وهي كذلك من الأسباب الجالبة للرزق بشتى أنواعه؛ ففي الحديث القدسي: «ابْنَ آدَمَ ‌ارْكَعْ ‌لِي ‌أَرْبَعَ ‌رَكَعَاتٍ ‌مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ» [رواه الترمذي].

- صلة الرحم: فعن أنس رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: «‌مَنْ ‌أَحَبَّ ‌أَنْ ‌يُبْسَطَ ‌لَهُ ‌فِي ‌رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [رواه البخاري]، فهذه شهادة على جلب الرزق بهذه الطاعة، وليَحرِص المسلم على فِعلها وعدم قطعها، حتى وإن لزِم أن يَصبِر على ما يَلقاه من الأذى مِن ذوي أرحامه.

- الصدقة: باب عظيم من أبواب الخير، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾.

هذه بعض الوسائل فاستعن بها، مع ما أوصيناك قبل، ونسأل الله أن يفرج همك، إنه جواد كريم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً