الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرفت على فتاة بنية الزواج ثم اكتشفت أنها بغي!

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب، أحب الله وأرتجيه، عمري ٣٤ سنةً، حفظت القرآن، وما صافحت امرأةً قط، وقد دعوت الله 15 عامًا أن يكفني بحلاله عن حرامه.

منذ سنين وأنا أبحث عن زوجة، وكلما تقدمت لواحدة يتم رفضي، حتى ضاق علي أمر الزواج، وصرت أبحث في مواقع التعارف والزواج، وتعرفت على فتاة مسلمة من شرق آسيا، ثم قابلتها في مكان عام، لم تكن ذات جمال، ولا نسب، ولا مال، وظننتها ذات دين، أشفقت عليها وعلى نفسي، وقررت أن أساعدها، ثم أتزوجها من قلة حيلتي.

صارت ترسل لي طالبةً النجدة كل يوم لضر أصابها من سارق يسرق هويتها، ثم آخر سرق جوالها، ثم محاولة اختطافها، ثم محاولة المتاجرة بها، وغير ذلك من المصائب، وظللت أساعدها لوجه الله، وأعطيتها شريحتي، وصرت أعاود مراكز الشرطة لدفع الضر عنها، حتى قاموا بالفعل بالقبض على بعضهم، ووفرت لها مسكنًا آمنًا، ولكن لم أجد بدًا من مرافقتها في هذه الأثناء، حتى أوقعتني في كثير من اللمم -أسأل الله أن يعفو عني-، أحرقت صدري، وأطبقت على حياتي، وحاولت غير مرة أن أتواصل مع والدها، أو أخيها، ولم يكن يهتم لأمرها أحد، ثم اكتشفت أخيرًا أنها كانت داعرة، وكانت تقنعني بعفتها حتى أظل بجابنها طوال هذا الوقت، ولما واجهتها اعترفت، ثم قالت بأنها تابت، والله أعلم.

أصبحت هائمًا على وجهي، لا أحسن شيئًا، ولا أهنأ بنوم أو طعام، أحترق تارةً على ما أوقعتني فيه من اللمم، وأخرى عندما استعملت رقمي في غيها ونشر الكبائر، وأخرى عندما خدعتني بأنها عفيفة، لأكتشف نهاية الأمر أنها شيطان مارد.

وما يؤلمني أنني لم أكف عن الدعاء بأن يكفيني الله بحلاله عن حرامه.

أرجو أن أجد ضالتي عندكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ا. ا. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أخي: إننا نحمد الله الذي هداك، ووقاك، وحصنك من الوقوع في المحرمات، ونسأله أن يديم عليك العفة والستر حتى تتزوج الفتاة الصالحة الدينة -إن شاء الله تعالى-، إلا أننا نعتب عليك، فقد سرت في الطريق الخطأ من البداية، وما كان لك وأنت الشاب المتعلم أن تتمادي فيه، ولكن نحمد الله الذي نجاك، وما حدث معك تب إلى الله منه، واعزم على عدم العودة، وثق أن الله سيقبل توبتك.

أخي الكريم: دعنا نضع لك عدة قواعد، ثم ننصحك بعد ذلك:

القاعدة الأولى: أن الدنيا دار ابتلاء، وأن البلاء فيها مراد لذاته، لا يخلو أحد منه، قال الله تعالى: "ألم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون"، لا بد إذن من البلاء والفتن حتى يصبر أهل الحق فيرفعهم الله إلى أعلى درجات الجنة.

القاعدة الثانية: أن قضاء الله أحب إليك مما أردت لنفسك، فما عليك إلا بذل الأسباب، ثم بعد ذلك كن عبدًا لله حيث وضعك، ولا تتمن أمرًا لم تدركه، فلربما لو أدركته لكان فيه هلكتك، ولعل هذا بعض قول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

القاعدة الثالثة: أن البلاء مقسم على الناس على قدر قوة دينهم وتمسكهم به، لذا كان أكثر الناس ابتلاء: الأنبياء؛ لما لهم من مكانة عند الله، ثم كل من اقتفى أثرهم، روى الترمذي عَنْ سَعْد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).

هذه القواعد تفسر لك -أخي- موقعك، وأن عليك الأخذ بالأسباب مع الدعاء، وبذل المجهود مع الصبر، ثم الرضا وعدم التعجل.

نأتي بعد ذلك إلى نصيحتنا لك:

أولًا: من ظاهر حديثك أنت شاب طيب ومتدين، ولكن هناك خلل ما في حياتك لم نعرفه، وهو الذي أدى إلى رفضك كثيرًا! فهل أنت انعزالي؟ أو هل أنت مصاب بالخجل الاجتماعي؟ وهل أنت محافظ على أذكارك؟ أو هل أنت ضعيف الثقة بنفسك؟ لا بد من تحديد السبب لعلاجه -أخي الكريم-.

ثانيًا: البحث عن زوجة صالحة في المكان غير المناسب لن يأتي بنتيجة جيدة، وعالم الشبكة العنكبوتية ليس المكان المناسب -أخي- للزواج، لذا ننصحك بترك هذه الوسيلة، وفورًا.

ثالثًا: الفتاة التي تعرفت عليها لم يكن فيها أي مرغب للزواج منها، ومع ذلك تماديت معها! وهذا ما أثار تعجبنا، لكن لعلك أملت فيها تدينًا فحملك هذا على الاستمرار، وهذا أيضًا خطأ منك، فليس الزواج جمعيةً خيريةً لتتزوج ممن لم تقتنع بها لكونها متدينة، بل الأصل (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)، وعليه فقد كان ينبغي عليك الفصل بين عاطفتك حين أردت مساعدة فقير أو محتاج، وبين كونها تصلح زوجةً أم لا.

رابعًا: عليك الآن وفورًا ترك تلك الفتاة، وتغيير رقم هاتفك الذي تعرفه، وعدم الرضوخ لحديثها، أو توسلاتها، أو أي شيء؛ فهي لا تصلح بحال أن تكون زوجةً لك.

خامسًا: اذهب إلى المساجد، وتعرف على الأئمة فيها، وحدثهم عن رغبتك في الزواج من فتاة متدينة.

سادسًا: تحدث مع والدتك أو إحدى النساء من محارمك؛ لتبحث لك عن زوجة بين أهلك، أو في بلدك الأصلي، أو بلد إقامتك، المهم أن يكون ذلك في الأماكن الصحيحة، كالمساجد، أو بين حلقات تحفيظ القرآن، أو عند الأسر المتدينة.

سابعًا: إذا وجدت الفتاة فلا تتسرع بالموافقة حتى تستشير وتستخير، ثم تتقدم بعد ذلك.

هذا هو الطريق -أخي الكريم- فلا تعدل عنه، واجتهد في إزالة العوائق النفسية إن وجدت، وجدد الثقة بنفسك؛ فأنت شاب جيد، وسيرزقك الله الزوجة الصالحة -إن شاء الله-، المهم أن تفعل ما ذكرناه لك، مع كثرة الدعاء لله -عز وجل- والصبر على ذلك.

نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة، البرة، التقية، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً