الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت باكتئاب وفرطت في الصلاة بسبب عدم تحقق أحلامي، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم

أنا بنت بعمر 22 سنة، منّ الله علي بأني درست في مدارس السعودية، فكوّنت معرفة أكبر في الأمور الدينية، لاختلافها عن طبيعة بلدي، كنت أخاف الله في الأمور الدينية، إلا الصلاة والقرآن فذلك ثقيل علي جداً، كنت في الثانوي ملتزمة بوردي، كي يوفقني ربي في الامتحانات، ووفقني الله ودخلت الجامعة، ولم يقبل الله الدعاء بتخصص أحلامي، فدخلت في اكتئاب، ولا زالت الصلاة آخر اهتماماتي، وكأنها سنة وليست فريضة!

كنت لا أعي عقوبة تركها، وأمشي بمبدأ الأعمال بالنيات، وأنا أحب ربي، ولكن الصلاة ثقيلة علي، ثم منّ الله علي منذ سنتين، وتبت في شهر رمضان وصليت، وذقت لذة الإيمان، ثم بعدها بعدة أشهر انتكست، ثم في رمضان الماضي تبت إلى الله.

الحمد الله، بدأت في حفظ القرآن، وأسأل الله أن يثبتني، ولكن تأتيني أفكار بأن الله غاضب علي، وأرى فيديوهات أن الله إذا كان كريماً معك وأنت لا تصلي؛ فإن الله -والعياذ بالله- يمكر بك، وستكون عليك حجة.

كنت في سنوات بعدي عن الله أمر باكتئاب، ولكني عند توبتي واستعانتي بالله عندما أدعو الله بأشياء يستجيب لي، وعندي يقين تام بأن الله قادر على كل شيء.

لقد تعبت من نفسي الضعيفة التي لا تقوى على فعل شيء، وكل فترة أقرأ وأشاهد فيديوهات عن أناس قد يخطؤون أخطاء أراها بعيني يسيرة، ولكنها عظيمة عند الله، فأرجع وأحزن، وأشعر أن الله غاضب علي.

مع أني في بعض الأمور إذا علمت أن الله حرمها أقطعها تماماً، كالأغاني والنميمة، ولكني ضعيفة في أشياء أخرى، مثل: عدم الالتزام بالزي الشرعي، فأشعر بأني منافقة، وكنت في زمن عندما يشتكي لي أحدهم أعظه بأن الله كريم وسميع، وأقول: لا تحمل أي هم، فالله عالم بنيتك، ورحيم، وتجيئني قوة يقين بقدرة ربنا على فعل أي شيء، ودائماً أستعين بالله.

لقد كنت في توفيق من ربي، وأنا كنت لا أصلي، وأشعر بأني منافقة، أسمع كلام الله في ما أقوى عليه ولا أستصعبه، وتكون هذه القوة غير موجودة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا، نهنئك بتوفيق الله تعالى لك، ورجوعك إلى الله بالتوبة والندم على ما كان منك من ذنوب أو تقصير في الواجبات، وهذا من لُطف الله تعالى بك وإحسانه إليك.

أمَّا ما تستشكلينه من إحسان الله تعالى إليك بتحقيق المطالب التي تتمنَّينها، وإمهالك دون عقاب في الفترات والمراحل التي كنت تقعين فيها في معصية الله، وتتركين فرائضه؛ فإن هذا من رحمة الله تعالى وحلمه، فإنه حليمٌ كريم، لا يُعاجل العبد بالعقوبة عند وقوعه في المعصية، ولكنه يُمهله ويحلمُ عليه، وهذا من كرم الله تعالى، وليس بالضرورة أن يكون مكرًا، فإذا وُفقت بعد ذلك للتوبة تبيَّن أن الله سبحانه وتعالى أمهلك؛ لأنه يريد أن يتوب عليك، فإن الإنسان لا يستطيع أن يتوب إذا لم يُوفقه الله تعالى للتوبة، كما قال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118]، وقال: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء: 27].

هناك توفيق للتوبة قبل حصولها ووقوعها، فإذا حصل هذا التوفيق حصلت التوبة على أرض الواقع، وهذا ينبغي أن يكون مُبشّرًا لك، وحاثًّا لك على الزيادة من الخيرات، فتتيقّنين بأن الله تعالى هو الذي هداك للتوبة، ولم يهْدِك للتوبة إلَّا لأنه يُحبُّك ويُريدُ لك الخير، فينبغي أن تفرحي بفضل الله تعالى، كما قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].

عليك أن تتيقّني أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده، فمن تاب إلى الله تعالى توبة صادقة قَبِلَها الله تعالى منه، ومحا بها سيئاته السابقة، فقد قال الله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [الشورى: 25]، وقال عن التائبين: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 70]. والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

التوبة تهدم الذنوب التي قبلها، والحسنات تُذهب السيئات، وهذا من رحمة الله تعالى بنا، فإن الإنسان ضعيف، لا بد أن يقع في الذنب والخطيئة، ففتح باب التوبة من رحمات الله تعالى بنا، فينبغي أن تشكري نعمة الله تعالى، ومن شُكر النعمة أن تثبتي على هذه التوبة، وأن تتوجّهي للأخذ بالأسباب التي تُعينك على هذا الثبات.

من أهم هذه الأسباب: الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة، فينبغي أن تتعرفي على الفتيات الصالحات والنساء الطيبات، وتحاولي ملء أوقاتك بالبرامج النافعة معهنَّ؛ فإن الصاحب ساحب، و(المرء على دين خليله) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

لا يفوتنا في هذا المقام أن نُحذّرك من دسائس الشيطان وحِيله الخبيثة، فإنه يسعى لقطع الطريق، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الشيطان قعد لابن آدم بأطْرُقه كُلِّها)، فالشيطان بالمرصاد لكل مَن يُريد أن يفعل خيرًا أو أن يُطيع ربّه، فيحاول أن يُيَئِسَه من رحمة الله تعالى، ويُقنِّطه من فضل الله، ويُذكّره بذنوبه ومعاصيه، ويُشعره بأنه منافق، وأنه يُبطن خِلاف ما يُظهر، ونحو ذلك من المشاعر السلبية التي لا يُريدُ بها الشيطان نُصحًا ولا تذكيرًا، ولكنه يريدُ قطع هذا الإنسان عن السير في الطريق إلى الله تعالى، فاحذري من هذا الشعور.

اعلمي أن الله غفور رحيم، لا يحتاج إلى طاعاتنا وعباداتنا، فهو الغني الحميد، ولكنه يختبرنا فقط، فإذا زلّت أقدامنا ووقعنا في المعصية فإن الواجب الشرعي هو أن نتوب، فإذا فعلنا ذلك فقد حققنا ما يُحبُّه الله تعالى ويُريدُه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: (لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يُذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم).

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً