الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن أن نقاطع أقاربنا الذي يؤذوننا، ولا نجد منهم سوى الشر؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 20 سنة، سؤالي عن قطع أهل بيت أمي، أنا أتعرض باستمرار لمشاكل من طرف عائلة أمي، مثل تلفيق التهم والظلم، في كل مرة يحاولون التسبب لي في مشاكل، وينشرون الأسرار، ويشمتون بي، ويتنمرون عليّ.

دائمًا ما يؤذون أمي، وهي مريضة بضغط الدم، مما يتسبب في رفع ضغطها بدون أي سبب، يؤذوننا باستمرار، ويقذفون أبي، ورغم أننا عدنا وغفرنا لهم مرات عديدة، إلا أنهم يكررون الأذية بشكل مستمر، والله إن أمي تقول إنها تتمنى لو كان بإمكاننا الرحيل عن المنطقة، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم!

إضافة إلى ذلك: هم ليسوا ملتزمين بالدين، فهم يزورون المقابر كثيرًا، وقبور الأولياء الذين يعتقدون أنهم صالحون، ويذهبون لكتابة الأحراز، ويؤمنون بأشياء غير موجودة في الدين.

سؤالي: هل يجوز لي أن أقطع صلتي بهم أنا وأمي وعائلتي؟ لقد قهرونا والله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Abdelhalim حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخانا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، كما نشكر لك حرصك على الوقوف عند حدود الله ومعرفة ما يجوز وما لا يجوز من التصرفات، وهذا دليلٌ على رجاحة في عقلك وحُسن إسلامك، نسأل الله تعالى أن يزيدك هدًى وصلاحًا.

كما نسأله سبحانه وتعالى أن يُعينكم على الإحسان والتواصل مع أقاربكم، وأن يرزقكم الصبر على إيذائهم؛ فإن الصبر عليهم وتحمُّل ما يأتيكم منهم من إساءة عملٌ عظيمٌ، سيجزيكم الله تعالى به ثوابًا جزيلًا، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم وغيرُه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأُحسن إليهم ويُسيئون إليّ، وأحلمُ عنهم ويجهلون عليَّ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لأن كنت كما قلت فكأنما تُسفُّهم المل، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك".

فأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بهذه الجُمل العظيمة، فالأولى أنه إذا صبر عليهم وأحسن إليهم فإنهم هم الخاسرون، وهم الذين سيتعذّبون بهذه الإساءة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: " فكأنما تُسفُّهم المل "، والمل هو الرماد الحار، أي: هم الذين سيحترقون بسبب فعلهم هذا، وأنت في عافية، ثم أخبر -صلى الله عليه وسلم- بأن الله تعالى يُعين هذا الإنسان الصابر على قراباته فقال: "ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم"، والظهير يعني المعين والناصر، "ما دمت على ذلك" أي على ذلك الصبر.

فلا ينبغي أن تكون صلة الرحم مكافأة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكنّ الواصل منَ إذا قطعت رحمه وصلها"، فنحن ننصحكم بأن تستمروا على ما أنتم عليه من صلة الرحم، والقيام بالحقوق والواجب عليكم، وأن تسألوا الله تعالى حقكم وما لكم عليهم من الإحسان، ولكن هذا لا يعني أن تُوقعوا أنفسكم في ضرر، فإن الشريعة الإسلامية قائمة على مبدأ (لا ضرر ولا ضرار)، وقد جاء بذلك أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فيجوز لكم أن تقتصروا من الصلة على ما لا ضرر فيه، فإذا كان حضوركم إليهم واجتماعكم معهم يؤدي إلى الضرر فاقتصروا على الصلة بغير حضور بدنيٍّ، كأن تتصلوا بهم هاتفيًّا، أو تُراسلوهم بالرسائل واستعمال أدوات التواصل الحديثة، ونحو ذلك، فاقتصروا على ما تتحقق به الصلة، وتنتفي عنه المضرة.

أمَّا أن تقاطعوهم بالكلية فهذا لا يجوز؛ لأنه قطع للرحم، وقطع الرحم من كبائر الذنوب، لكن لو فرضنا أن الصلة كلها بكل أنواعها تتسبّب في ضررٍ لكم، فحينها يكون ترك هذا التواصل من باب ترك الضرر واجتناب المؤذي، فيجوز.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتولى عونكم، وييسّر لكم الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً