الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أن أبي لا يحبني لأنه يمنّ علي بإنفاقه، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا بحاجة إلى نصيحة وإرشاد من فضلكم.

أنا عمري 19 عامًا، ووالدي عمره 56 عامًا. منذ صغري لم يحرمني والدي من شيء، وكنا نعيش حياة كريمة -والحمد لله-، ولكن حدثت ظروف وتغيَّر حالنا 180 درجة، واضطر والدي إلى العمل كعامل بناء بعد أن كان في وظيفة مرموقة.

المهم كان والدي يحاول العمل ولم يستسلم، وكنت أرى ذلك وأُقدِّره، وأحاول أن أفعل ما أستطيع، وكنت في المرحلة الثانوية، وكان والدي غير قادر على مساعدتي ودفع تكاليف الدروس، وكنت أتحدث مع المدرسين ليعطوني دروسًا مجانية؛ لأننا لا نملك المال للدفع.

الحمد لله كان فرج الله قريبًا، وأتيحت لي فرصة للسفر، وبدأتُ أعمل وأعتمد على نفسي كليًّا، وأشتري كل ما أحتاج إليه بمفردي؛ لأن الحياة في الخارج صعبة، ويجب أن أكون سندًا للأسرة، لأن والدي وحده لا يستطيع تحمل المصاريف.

لكن للأسف مع مرور الوقت بدأتُ أشعر أن والدي يتغيَّر معي بعد الظروف الصعبة التي مررنا بها جميعًا. لا أشعر أنه يُقدِّرُني، ولا يُقدِّم لي نصيحة أو دعمًا، لا في الماضي وحتى الآن. أعلم أن الشخص في هذا السن يجب أن يكون قويًا وسندًا، ولكنني لم أنهِ تعليمي بعد، والدنيا صعبة عليّ أن أتحمل المسؤولية بمفردي.

كنت أدِّخر المال للجامعة، ولم أستطع إكمال المبلغ بالكامل، فدفع لي الجزء المتبقي. كان يتحدث مع أحد أفراد العائلة فقال: "أنا دفعت له مصاريف الجامعة"، وكنت قد طلبت منه شيئًا بسيطًا للمنزل، فقال: "هل جئنا إلى بلد أخرى لنعود إلى الاعتماد عليه فقط؟!".

أشعر أنه موجود جسديًا فقط، وأشعر أنه إذا فعل لي شيئًا فلكي يقال: "انظروا ماذا يفعل له"، وليس لأنه يحبني حقًا أو يريد أن يفعل لي شيئًا يسعدني.

هذا الشعور يراودني دائمًا، وأنا أريد أن أكون ابنًا بارًّا بوالدي وأفضل.

من فضلكم، كيف أحسِّن العلاقة بيني وبين أبي، وكيف أتخلص من هذا الشعور بالذنب؟

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إياد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يُقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أولًا: إننا نحمد الله أن رزقك هذا الأب المكافح الصبور، ونحمد الله أن أنعم عليكم وتفضَّل حتى استطعتم تجاوز تلك المحنة أو كدتم، ونسأل الله أن يُديم عليكم الخير.

ثانيًا: والدك اليوم في الستين من عمره، وهو ما قصَّر معكم في صغركم، وقد ذكرت أنه ما حرمك من شيء، لكنها الدنيا وتقلباتها، واليوم -يا أخي- والدك في مرحلة الضعف الأخير له؛ فالله عز وجل أخبر أن مراحل خلق الإنسان ثلاثة: (ضعف، ثم قوة، ثم ضعف)، هذا الطور الأخير يحتاج فيه الآباء إلى الراحة، ويحتاج إلى من يحنو عليه، ويحتاج من يهتم به، ومن يتفقد حال كبار السن، يجد أنهم يحتاجون إلى من يعيش مشاكلهم ويعينهم على ذلك، وحين تتعدل بَوصلة الرؤيا عندك لتنظر إلى ما نقص عند أبيك -لا ما نقص عندك-؛ ستُبصر ما لم تكن أبصرته من قبل.

ثالثًا: حديث والدك أنه فعل لك وفعل، ليس من قبيل المنِّ، ولا هو كارهٌ لما فعل، وإنما هي تكاليف ثقيلة عليه، وتغيّرٍ لأحوالٍ طارئةً عليه، وهو في ضعفه يعمل ويجتهد، ولا شك أن كل هذا يمثل ضغوطًا كثيرة عليه، والإنسان أخي تحت الضغوط قد يقول ما لا يقصد، أو يقول ما يُنفِّسْ به عن نفسه، وهذه كلها أمور طبيعية.

رابعًا: أنت شابٌ طيبٌ وصالحٌ، وهذا ظاهرٌ من حديثك الذي يشيرُ إلى باحث عن البر، مريدٌ للنجاة، خائفٌ من العقوق، وحَذِرٌ من الوقوع فيما يغضب الله، وهذه نواة جيدة يجب البناء عليها، لذا ننصحك بما يلي:

1- لا تُفكِّر فيما تريد من أبيك، ولكن اجعل التفكير فيما ينقص عند أباك، التفكير في الشيء الذي يسعده، التفكير في كيف تعينه أنت، وكيف تكون له اليوم سندًا حقيقي له، هذا أول التغيير.

2- لا يخفاك أن البر ليس معاوضة، بل هو واجبٌ عليك، واسأل نفسك هل أحسن الوالد أم أساء إليك؟ وبهذا تُقوِّم ميزان نظرتك له.

3- استعذ بالله من الشيطان، واعلم أن أقصى أماني الشيطان أن يُفرِّق بينك وبين والدك، أو أن يُوجد حواجز بينكما، فانتبه لذلك!

4- أكثر من الحوار مع الوالد، واستمع له أكثر مما تتحدث أنت، وستجد بعد فترة أن ما كنت ترجوه من نصائح وتواجد قد أصبح حقيقة.

وأخيرًا: أكثر من الدعاء لله أن يحفظ لك الوالد؛ فهو ظهرك وإن كان مريضًا، وسندك وإن كان ضعيفًا، وعزوتك وإن كان فقيرًا، وسأل كل من فَقَدَ والده سينبئك بذلك.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً