الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعرض للأذى في محيطي الاجتماعي، فكيف أحفظ نفسي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عطفًا على استشارتي السابقة.

يحصل بشكل فعلي الظُلم والحقد والحسد من الأشخاص من حولنا، وذلك يظهر من تصرفاتهم، بل وأستغرب أنه يحصل من بعض الأشخاص الذين أعرفهم بطيبتهم وخلقهم الحسن، إلا أنهم انتكسوا وتغيروا، وتصدر منهم أفعال تجاهل وصدود من بعضهم، أو إساءة علنية ظاهرة من صراخ أو غيره وأمام بعض الناس من المجتمع، أو إهانة، أو إيذاء، أو نظرات جانبية حادة سيئة توحي بأنهم ناقمون وحاقدون عليّ، بل وحتى من الأقارب -من بعضهم للأسف-.

وذلك ليس فقط لأنني أمارس أنشطة اجتماعية؛ بل لأنني اجتماعي، وشخصيتي -والعياذ بالله من كلمة أنا أو مدح النفس- كما يصفها لي الناس من حولي مميزة، وأني فكاهي، ومتحدث، وغيرها من صفات جميلة حميدة عندي، وهذا من فضل الله عليّ.

لا أريد أن أغير شخصيتي أو طبيعتي، أو أنهزم، أو أتراجع عن أفعالي الناجحة، وصفاتي الحسنة؛ لأنها شيء جميل.

وكما يكرهني البعض فهناك أشخاص يحبونني، ويحبون شخصيتي -والحمد لله-؛ ولأنني أيضًا لم أقترف أي ذنب تجاه هؤلاء الناس، ولم أضرهم بشيء أبدًا، ولم أخل -مثلًا- بالآداب العامة أو غيرها، وأنا والله لست حساسًا، ولست مبالغًا، لكن أنقل لكم الواقع.

أرشدوني وانصحوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا لك على ثقتك في طرح استشارتك ومتابعتك لموقع إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يهدي قلبك، ويعينك على الثبات على الحق.

إن ما ذكرته من مشاعر الظلم والحسد الذي تتعرض له، سواء من أشخاص كنت تظن فيهم خيرًا، أو حتى من بعض الأقارب، أمر قديم ومتكرر في حياة الناس، وقد مرّ به الأنبياء والصالحون، ولم يسلم منه أحد مهما بلغت صفاته الحسنة، فالحياة فيها الصالح والطالح، وفيها من يريد بك الخير ومن يتربص بك حسدًا من عند أنفسهم، وقدّر الله علينا أن نتقبل الناس كما هم، لا كما يجب أن يكونوا عليه، وتوضح الآية الكريمة ذلك في قوله تعالى: "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" سورة هود، الآية (119)، وتفسير هذه الآية باختصار: أن الله تعالى خلق الناس متفاوتين؛ فمنهم من رحمهم وهداهم إلى الإيمان، ومنهم من لم يشأ له ذلك، بل استحق العذاب بسبب أفعاله.

والناس بطبيعتهم فيهم الخير والشر، وكما ذكرت، قد ترى فيهم الطيبة وحسن الخلق، ثم ينتكس بعضهم ويصبح حاقدًا، وهذه نزعة إنسانية وفطرة جبل الله الناس عليها، لكن عليك أن تهيء نفسك للتعامل مع هذا الواقع: تفرح بإحسانهم، وتتجنب إساءتهم حين يخطؤون في حقك، خاصة وأنت تتصدر للعمل التطوعي والخيري، وتشارك في الأنشطة الاجتماعية، وتتميز فيها، وربما كان هذا من أسباب تغيّر قلوب بعضهم تجاهك،
وما يجعلنا مطمئنين إلى قدرتك على تجاوز هذه الأزمة هو شخصيتك الإيجابية، التي تتسم بروح الفكاهة واللباقة، وغيرها من الصفات الحسنة كما يراها الآخرون. لذا؛ نبني على هذه الصفات مع الأخذ بالأسباب ووضع خطة متكاملة.

ونضع لك فيما يلي خطة متكاملة تتضمن خطوات عملية قابلة للتطبيق، تساعدك على التعامل مع مشاعر الظلم والحسد، دون أن تفقد شخصيتك الإيجابية أو طاقتك الاجتماعية -بإذن الله-، ونجملها في النقاط التالية:

• اكتساب مهارات إعادة تفسير سلوك الآخرين: حاول أن ترى تصرفات الحسد أو الإساءة كتعبير عن مشكلات فيهم، لا عن قيمة شخصيتك، فاستخدام هذه النظرة يقلل من الأثر النفسي للأذى، ويمنحك شعورًا أكبر بالتحكم في مشاعرك.

• تقوية المناعة النفسية: خصص وقتًا لممارسة أنشطة تبني الثقة بالنفس، مثل التمارين الرياضية، أو الهوايات التي تستمتع بها، كما يمكنك أن تدون يوميًا الجوانب الإيجابية عن نفسك أو عن يومك لتبقى صفاتك الحسنة حاضرة في وعيك.

• ضبط ردود الفعل: قبل أن تتفاعل مع أي موقف سلبي، جرّب قاعدة "التأجيل النفسي": خذ نفسًا عميقًا، وعدّ حتى عشرة، ثم قرر كيف ستتصرف، وإذا كان الموقف لا يستحق الرد، تجاهله، وإذا كان الرد ضروريًا، اجعله هادئًا ومحددًا دون انفعال زائد.

• تقليل الاحتكاك مع مصادر الأذى: لست مضطرًا لأن تكون متاحًا دائمًا لمن يؤذيك، حتى لو كانوا مقربين، وضع حدودًا واضحة بطريقة محترمة، مثل تقليل التواصل، أو الاكتفاء بعلاقات سطحية مع الأشخاص السلبيين.

• الثبات على صفاتك الحسنة: لا تغيّر أخلاقك بسبب أذى الآخرين، فقد قال النبي ﷺ: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (رواه الترمذي).

• بناء شبكة دعم إيجابية: أحط نفسك بأشخاص يقدّرونك ويعززون صفاتك الإيجابية، وشارك مشاعرك مع شخص تثق به؛ فالتعبير عن المشاعر يساعد على تفريغ الضغط النفسي.

• فهم طبيعة الابتلاء والتعامل معه بإيجابية: واعلم أن الله قدّر أن يختبر عباده بعضهم ببعض، قال تعالى: "وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرًا" (الفرقان: 20)، ولا تنظر إلى ما يحدث على أنه استهداف لشخصك فقط، بل كابتلاء يكشف معدن الناس، ويطهّر قلبك من التعلق بمدحهم أو رضاهم.

• الاستعانة بمختص إذا لزم الأمر: إذا وجدت أن هذه المواقف تسببت في قلق مستمر، أو أثّرت على أدائك اليومي، فقد يكون من المفيد مراجعة أخصائي نفسي لتعلّم استراتيجيات أعمق للتكيف.

وتذكّر أن ما يصيبك من أذى يرفع قدرك عند الله إذا صبرت واحتسبت، قال النبي ﷺ: "ما من شيء يصيب المسلم، من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه" (متفق عليه).

فاستمر في عطائك وصفاتك الحسنة، ولا تسمح للحاسدين أن يغيّروا قلبك أو يطفؤوا نورك، بل اجعل من هذا الابتلاء دافعًا لمزيد من القرب من الله وحسن التوكل عليه.

نسأل الله أن يحفظك، ويصرف عنك الشر وأهله، ويزيدك من فضله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً